نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
التقييم الإلكتروني.. خيط رفيع بين الرأي الشخصي والتشهير - الهلال الإخباري, اليوم الاثنين 23 يونيو 2025 12:51 صباحاً
بضغطة زر قد تكتب تعليقاً على مطعم لم ترق لك تجربته، أو تعبر عن انزعاجك من خدمة لم تنل رضاك، أو تعيد نشر منشور يبدو لك منطقياً، لكن ما لا تعرفه أن هذه الكلمات العابرة قد تفتح عليك باباً واسعاً من المساءلة القانونية، وتتحول من رأي شخصي إلى جريمة إلكترونية مكتملة الأركان، وخلال الأشهر الماضية، سجلت المحاكم عدة وقائع صدر بحق أصحابها أحكام قضائية، ما يؤكد أن الكلمة المكتوبة على الإنترنت قد تعامل تماماً كأداة قانونية، تحمل مسؤولية كاملة على كاتبها.
هذه الوقائع طرحت سؤالاً جوهرياً حول الحد الفاصل بين الرأي الشخصي والتشهير، ومتى يصبح التعليق الإلكتروني جريمة؟ للإجابة عن هذه الأسئلة، تحدثنا إلى مجموعة من القانونيين لنتعرف إلى العقوبات التي تنال المتورطين وسبل تجنبها.
سجلت المحاكم عدة وقائع تحت بند التشهير أو السب والقذف عبر وسائل التواصل، ففي واقعة بدبي، دانت محكمة الجنح والمــــخالفات شاباً عربياً قام بسب وقذف ممرضة تعمل في مركز صحي، وذلك عبر تعليق سلبي على منصة «جوجل ريفيو»، ولم تكتف المحكمة بتغريمه 5000 درهم، بل قررت مصادرة هاتفه ومحو التعليق، ووقف تنفيذ العقـــــوبة لمدة ثلاث سنوات.
وفي واقعة أخرى مماثلة، قضت محكمة بإلزام شاب بتعويض صاحب محل تجاري، بعد أن تسبب له في خسائر مادية وأساء لسمعته، من خلال تعليق سلبي على وسائل التواصل الاجتماعي؛ ولم يشفع للشاب أن ما كتبه كان بناء على تجربة شخصية، وكان الضرر الناتج عن النشر كافياً للحكم عليه بالتعويض.
وفي واقعة أخرى تقدم صاحب مطعم في دبي ببلاغ إلى الجهات المختصة عن تعرضه للإساءة من قبل شخص على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث كتب تعليقاً يتهم المطعم بالاحتيال والنصب بسبب طلبات مبالغ فيها وفاتورة مرتفعة، حيث إنه تعرف إلى فتاة وحددت هي المطعم للقاء، لكن ارتفاع الفاتورة أثار شكوكه، بزعم أن الفتاة تتعرف الى الشباب وتقنعهم بالذهاب إلى هذا المطعم ومقابل ذلك تحصل على نســـبة من الفاتورة، وهو ما دفعه إلى كتابة تعليق سلبي عن المحل عبر أحد مواقع التواصل، ووقع في فخ السب والتعليق السيئ والمسألة القانونية التي تنتهي بتعويض كبير للمطعم يصل إلى 500 ألف درهم.
النشر المسيء
شددت العقوبات على الجرائم الإلكترونية بموجب المرسوم بقانون اتحادي رقم 34 لسنة 2021 وتعديلاته في القانون رقم 5 لسنة 2024، وهو ما أكده المحامي عبدالرحمن القاسم، حيث تنص هذه المادة على الحبس والغرامة التي لا تقل عن 250 ألف درهم ولا تزيد على 500 ألف، إذا تم السب أو الإساءة عبر شبكة معلوماتية.
وأشار إلى معاقبة من يسيء إلى سمعة جهة اعتبارية عامة أو خاصة أو يتسبب لها في خسائر نتيجة نشر محتوى عبر الإنترنت، ولو لم تكن المعلومات كاذبة بالكامل، حيث إن القانون يميز بين النشر المسيء للفرد والمؤسسة، ويتعلق الأول بالكرامة الشخصية، بينما الثاني يمس السمعة التجارية، ونوه بأن استخدام العبارات التحقيرية أو الإشارات المسيئة حتى وإن كانت مغلفة برأي شخصي، يمكن أن يفسر قانونياً كقصد بالتشهير، ما يجعل صاحبها عرضة للمساءلة.
فيما أكد المحامي والمستشار القانوني أحمد الزرعوني، أنه في ظل التطور الرقمي المتسارع، باتت منصات التقييم الإلكتروني مثل «جوجل ماب» جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية للأفراد والشركات، وينظر إلى هذه التقييمات على أنها وسيلة لمشاركة التجارب وتوجيه المستهلكين، غير أن هذا الفضاء المفتوح لا يخلو من إساءة الاستخدام، مما يستدعي وقفة قانونية لتحديد الخط الفاصل بين حرية الرأي وبين التجاوز الذي قد يرقى إلى السب أو القذف.
وأضاف أن التقييم يعد طبيـــعياً ومــشروعاً مـــتى عبر عن تجربة شخصية حقيقيـــة دون هــجوم أو تجريح، وكان بلغة هادئة تستند إلى وقائع ملموسة، على سبيل المثال، القول إن خدمة المطعم كانت بطيئة والطعام أقل من المتوقع، فهذا يدخل ضمن حرية التــعبير المسموح بها قانوناً ولا يترتب علــى الناشر أي مساءلة قانونية.
وأشار الزرعوني إلى نص المادة (425) من قانون العقوبات الاتحادي التي تؤكد على معاقبة من أسند إلى غيره واقعة تمس سمعته أو تجعله محلاً للازدراء، بعقوبة تصل إلى الحبس أو الغرامة، سواء تم ذلك بالقول أو الكتابة أو عبر وسائل تقنية.
كما أن المرسوم بقانون اتحادي رقم 34 لسنة 2021 بشأن مكافحة الشائعات والجرائم الإلكترونية، في مادته (43)، يشدد العقوبات عندما تقع الجريمة عبر الإنترنت، وتصل الغرامة إلى 500,000 درهم.
أدلة رقمية
المحامي والمستشار القانوني، موسى العامري، أوضح أن التعليقات الإلكترونية على منصات مثل جوجل أو إنستغرام أو إكس، تعد أدلة رقمية قانونية أمام المحكمة، وأن قانون مكافحة الشائعات والجرائم الإلكترونية، يعامل التعليق المكتوب على الإنترنت كأداة إعلامية، وبالتالي، فإن أي إساءة أو اتهام غير مثبت يمكن أن يرقى إلى التشهير أو السب أو القذف.
وأضاف أن هناك حالات واقعية صدرت فيها أحكام بغرامات وصلت إلى 300 ألف درهم لمجرد تعليق سلبي على جهة تجارية، مؤكداً أن المحكمة لا تميز بين تدوينة بسيطة أو تعليق مطول؛ ما يهم هو مدى الضرر الذي تسبب فيه النص المنشور، ومدى تأثيره في سمعة المتضرر.
وشدد على أهمية التريث وتجنب التسرع في النشر، وقال من الضرري إذا شعرت بأنك تعرضت لظلم أو خداع، فأفضل تصرف هو أن توثق الواقعة وتلجأ للجهات المختصة، مثل الجهات الرقابية أو الشرطة، بدلاً من نشر القصة على الملأ، حيث إن النوايا الحسنة لا تعفي من العقوبة، فالنيابة العامة قد لا تفسر النية بل تنظر للنتيجة.
ولا يكتفي القانون الإماراتي بالملاحقة الجنائية في مثل هذه القضايا، بل يمنح المتضرر أيضاً الحق في المطالبة بتعويض مدني، حيث أوضح العامري أنه إذا ترتب على التعليق أو المنشور الإلكتروني ضرر مادي أو معنوي للمؤسسة أو الشخص، يحق للمتضرر أن يرفع دعوى مدنية للحصول على تعويض مالي، إلى جانب الدعوى الجزائية التي تتولاها النيابة وقد يحكم عليه بالغرامة أو الحبس أو العقوبتين.
اتهام صريح
من جانبه، أوضح المحامي والمستشار القانوني عمر العوضي، أن القانون يفرق بدقة بين الرأي الشخصي والاتهام الصريح، فالأول يُفهم كوجهة نظر نتيجة تجربة شخصية دون توجيه تهم أو استخدام ألفاظ مسيئة، أما الاتهام فيفهم قانونياً على أنه إسقاط لحكم أخلاقي أو جنائي على جهة ما، مثل استخدام كلمات (نصاب أو محتال أو كاذب) وغيرها التي تحمل اتهاماً مباشراً، وتعد جرائم إذا لم تكن مدعومة بأدلة قضائية.
وأضاف أنه إذا كان التعليق مبنياً على واقعة حقيقية مثل حالة الشاب الذي كتب عن المطعم لا يجوز له وصف المطعم بالاحتيال، وأن الصحيح قانونيا هو اللجوء إلى الجهات المعنية وتقديم شكوى، حيث إن استخدام منصات التواصل للإدانة العلنية يعرض صاحبه للمساءلة، خاصة إذا رافق ذلك ضرر مادي أو معنوي واضح للجهة المتضررة.
وعن الفرق في العقوبة بين الإهانة الموجهة لشخص طبيعي ومؤسسة، قال إن الشتائم الفردية تقع ضمن قانون القذف الشخصي، بينما الإساءة إلى مؤسسة تعد تشويهاً للسمعة التجارية، وقد تتضاعف العقوبات إذا أدت إلى خسائر مالية أو ضرر بالعلامة التجارية.
وأوضح العوضي، أن النية الحسنة تأخذ في اعتبار المحكمة، لكن ذلك لا يلغي المسؤولية الجنائية، ومن الممكن أن تخفف العقوبة، أما إذا تسبب التعليق في إلحاق الضرر، فإن ذلك يكفي لقيام الجريمة.
وتحدث عن حالة الشاب الذي تم استدراجه من فتاة إلى مطعم ثم فوجئ بفاتورة مبالغ فيها، قائلاً إن المسؤولية تقع على الشاب إذا نشر تعليقه بشكل فيه تجريح أو اتهام، حتى لو وجد شبهة استدراج، وقال إن المحكمة قد تأخذ الملابسات في الاعتبار، لكنها لا تسقط الاتهام إذا ثبت التشهير، والطرف الآخر قد يحاسب إذا ثبتت نية الإيقاع، لكن ذلك لا يبرئ المعلق تلقائياً.
وأكد العوضي على أهمية الوعي الرقمي، وأنه يجب على مستخدمي الإنترنت إدراك أن الكلمة أصبحت أداة قانونية تحاسب عليها، وأن النشر في الفضاء العام لا يعني أنك في مأمن، حتى إعادة نشر تعليق مسيء أو مشاركته قد يعرضك للمساءلة.
0 تعليق