نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
فرنسا في مواجهة خطر «الإخوان المسلمين» - الهلال الإخباري, اليوم الثلاثاء 27 مايو 2025 01:58 صباحاً
أدى تصاعد نفوذ جماعة «الإخوان المسلمين» في فرنسا، إلى دق ناقوس الخطر في حكومة إيمانويل ماكرون، حول شر يحيق ببلادهم، ويعيد إلى الواجهة تساؤلات قديمة ومتجددة حول حدود التسامح في مواجهة فكر يستخدم الحرية كأداة للهيمنة، ويفرض إعادة النظر بجدية في أبعاد التهديد الإخواني داخل المجتمعات الأوروبية، بعد أن تغلغلت الجماعة فيها، بداعي المبادئ الليبرالية وحرية التعبير وحرية التجمع، ما يمثل تحديا جديدا لديموقراطية الحوار والشفافية.
إن تحرك الحكومة الفرنسية بعد ما أمر به الرئيس ماكرون، الأربعاء الماضي، بوضع مقترحات للتعامل مع تأثير جماعة «الإخوان المسلمين» وانتشار «الإسلام السياسي» في فرنسا، وما عده الإليزيه تهديدا للتماسك الوطني في فرنسا بسبب هذه الجماعة، يعكس بلا شك خطورة الوضع الذي وصل إليه التأثير الإخواني، ويدعم ذلك تقرير نشرته صحيفة لوفيغارو الفرنسية قبل أيام، يحذر من آلية حقيقية تتبعها الجماعة بهدف إعادة ما وصفته بـ»الأسلمة»، والانفصالية والتقويض، في إطار استراتيجية منظمة تهدف إلى زعزعة استقرار الجمهورية الفرنسية من الداخل.
ربما لا يعي الفرنسيون خطر الإخوان المسلمين في بلادهم، بأنه يصدر من خلال أساليب ناعمة تعمل على اختراق المؤسسات والمجتمع المدني، ووفقا لما ذكرته صحيفة لوفيغارو، فإن الجماعة تبنت خطابا مزدوجا، فهي في العلن تروج لقيم الديمقراطية، بينما تعمل في الخفاء على إنشاء شبكات تأثير موازية تقوم بإعادة تشكيل الوعي الإسلامي وفق مفاهيم تتصادم مع قيم الجمهورية العلمانية، وهذا المشروع الانفصالي يسعى إلى خلق جزر مجتمعية داخل فرنسا، تحكمها مرجعيات دينية متشددة بدل القوانين الوضعية.
ويبدو أن العالم اليوم أمام مشهد تحول استراتيجي جديد لجماعة الإخوان المسلمين إلى أوروبا، بعد تراجع نفوذها في الشرق الأوسط، خاصة بعد الحصار الذي فرضته عليها دول الخليج ومصر، في أعقاب ما يسمى «الربيع العربي»، ما دفعها إلى إعادة توجيه بوصلتها نحو أوروبا، حيث الحريات الدينية، وضعف الرقابة على التمويل الأجنبي، والفرص المتاحة للعمل تحت عباءة العمل المدني والحقوقي.
هذه العوامل جعلت الجماعة الإخوانية تتبنى إنشاء شبكة معقدة من المنظمات والمراكز الإسلامية التي تخدم أهدافها الأيديولوجية، وتستخدمها لترويج نموذج مغاير للاندماج، وتقوم على الفصل لا الانصهار، ومع الوقت تمكنت من التسلل إلى المنظمات الشبابية، والنقابات، وحتى بعض البلديات، عبر أفراد يتبنون خطابا ناعما يروج لحقوق المسلمين، لكن بمرجعية إخوانية تفرغ مفاهيم مثل الحرية الدينية من مضمونها العلماني لصالح مشروع سياسي، حتى أصبح من الصعب تحديد النوايا الحقيقية لهذا الخطاب السلس، إضافة إلى تعقد جهود السلطات في التصدي للنفوذ الإخواني دون الوقوع في فخ الإسلاموفوبيا.
مواجهة فكر الإخوان المسلمين يتطلب دون شك استراتيجية متكاملة تتجاوز المقاربة الأمنية، حيث من المهم تفعيل أدوات الرقابة على الجمعيات الدينية والتعليمية، وربط التمويل الأجنبي بالشفافية، وتعزيز البرامج التربوية التي تحصن الشباب من الوقوع في براثن الأيديولوجيا المتطرفة، كما ينبغي دعم الإسلام المعتدل والمنفتح كجزء من الهوية الفرنسية، بدل ترك الساحة فارغة لتستغلها الجماعة.
إن أمام فرنسا وأوروبا قاطبة، لا سيما المملكة المتحدة وألمانيا، درسا مستفادا يقوم على تجربة دول الخليج العربي، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، حيث تُعد نموذجا ناجحا في محاصرة الفكر الإخواني من خلال تصنيفه كتنظيم إرهابي، وتفكيك بنيته المؤسسية، وتجفيف منابعه الإعلامية والتعليمية والمالية، وهو ما أثبت أن المواجهة لا تكون فقط بالقوة، بل أيضا عبر إعادة تشكيل الفضاء الديني والثقافي بما يتناغم مع قيم الدولة الوطنية الحديثة، لا مع أيديولوجيا عابرة للحدود.
وهذا يقود إلى القول بأن تتخلى القارة العجوز عن النرجسية السياسية، التي تعميها عن طرق أبواب سياسات تمنع دولها من الانزلاق وراء مثل تلك الجماعة، التي تظهر الوداعة، وتبطن الخبث الاستراتيجي، فيما يجب أن تنظر تلك الدول أيضا، لسقوط مفهوم الوطن في تأسيس الجماعة المارقة، والنظر إلى الجروح التي سببتها لدول عربية.
إن ما أحدثته جماعة الإخوان المسلمين من حالة فرقة وتعلقها بمشاريع الانفلات السياسي والاجتماعي والأمني في العديد من دول المنطقة، يعد بلا شك دليلا على أنها ليست مستأمنة، حتى إن رفعت شعارات ناعمة وأقنعت بها شرائح أوروبية محددة بعينها، فإنها ستنعكس مع الوقت لا محالة على دولها، لأنها تنهل من مشرب الإرهاب الإخواني، الذي يلغي الانتماء من قواميسه، وفقا لما رسمه مؤسس الجماعة حسن البنا، وكرس له ثقافيا سيد قطب، عبر مخطوطات وكتب، أقل ما يقال عنها أنها قنابل موقوتة.
لذا، فإن فرنسا وجيرانها اليوم بحاجة إلى مراجعة عميقة لسياساتها تجاه جماعة تتقن فن الاختراق الناعم باسم الدين، فيما هي في جوهرها مشروع سياسي يهدد وحدة الجمهورية، ما يجعل فرنسا وأوروبا أمام اختبار حقيقي، هل تبقى الحريات منفذا للاستغلال الأيديولوجي، أم تعاد صياغتها بما يحصنها من التلاعب باسمها.
0 تعليق