نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
يأكلون بلا سمنة! - الهلال الإخباري, اليوم الثلاثاء 27 مايو 2025 01:58 صباحاً
يا صاحبي، تكاد تسافر ثم تعود مدهوشا، تهتف في نهاية الرحلة: عجبا لهؤلاء القوم! شعب يأكل كأنه في سباق، والمطاعم تفيض بالبشر كما لو أن العالم سينفد من الطعام قريبا! تراهم يتفننون في المأكولات والمخبوزات، في المحظورات والمسموحات، في الوجبات الرئيسية والوجبات التي بين الوجبات، بل وحتى في المفرحات التي لا تدري أهي حلوى أم عمل فني!
أما نحن - يا حسرتاه - فثلاث وجبات فقط، ومع هذا، خمسة كيلو زيادة تأتيك من حيث لا تحتسب ودون استئذان، مثل إعلانات التواصل الاجتماعي، أما لنزول كيلو واحد نزول؟ فهو مشروع العمر، يحتاج إلى حرمان يعادل حياة متبتل تبتي! الدهون لا تكتفي بأن تكون فوق البطن، بل تحاصر الركبة، والساق، بل وحتى الأعضاء الحشوية التي لا تُرى إلا في الأشعة المقطعية!
في السفر، نعجب حين نرى شعوب شرق آسيا يأكلون الأرز يوميا ولا يسمنون، كأنهم غزلان وأجسادهم صنعت من خيوط الغزل، بينما نحن نأكل مرة فنحتاج بعدها أن نركض سبع مرات حول المضمار لحرق بضع آلاف من السعرات. أما في أوروبا فيأكلون ونزعم أن الطول يخدم هذه الأجساد فمهما أكل فطوله يحمل وزنه، ولديهم حدائق وأجواء جميلة يمشون ويتريضون ويفقدون السعرات الحرارية نفسها التي أكلوها، فأخذوا المتعة وتخلصوا من عواقبها السيئة.
لكن الحقيقة، يا رفيقي، ليست كما تظن. أنت، أيها السائح السعيد، لا ترى من حياتهم إلا لحظات المتعة، تلك الساعات القليلة التي يخرج فيها الناس من دوامة العمل إلى لذة الطعام. لا ترى كيف يعملون عشر ساعات في اليوم، لا وقت فيها حتى للشكوى، يجلسون نصف ساعة يتناولون وجبة خفيفة لا تسد رمقا قط! يعودون إلى منازلهم في آخر المساء، فيأكلون وكأنهم يكافئون أنفسهم بعد معركة، فنحن لا نرى إلا آثار المعركة فحسب!
أما نحن، فدوامنا ست ساعات (إن اكتمل!)، فيها ساعة للفطور، وأخرى للمحادثات الجانبية، وثلث أخرى للواجبات المنزلية يتم قضاؤها أثناء الدوام أو واتساب العائلة. في الثانية والنصف يكون صاحبنا قد وصل منزله العامر - وربما قبلها - وتبدأ معركة الطبخ، ثم تأتي «ساعة العصاري»، فتجده حائرا: لا شغل، لا مشغلة... فيشغل فمه ويده بالطعام حتى لا يضرب أحدا أو يشتم أحدا، ولاحظ كمية الحلويات في المناسبات وكأنها حرب أيهم يذيقك أكثر من السعرات الحرارية.
وإذا سافرنا - نحن يا صاحبي - فإن «الكاتم» (قدر الضغط المحمول) يسبقنا إلى الفندق، صوته يصدح في جنبات البهو، وعشرون تمرة صباحية لكل شخص لا تكفي، معها ألذ لحمة، وأطيب كيلو رز، ولا بأس بالقليل من الدهون... «حتى يطيب اللحم والخضار»، كما يقولون! الحلويات؟ حدث ولا حرج. هناك برنامج كامل لها بين الوجبات، وما بعد العشاء. أما زيارة المعالم والمتاحف والحدائق؟ ليست هدفا بل تضييع وقت تمنعك من اكتشاف المطاعم... إن بقي وقت بين وجبة ووجبة.
باختصار، نحن لا نغيّر برنامجنا في السفر، بل ننقله بحذافيره. تتحول صالة الفندق إلى استراحة، والرحلة إلى مناسبة للأكل والنوم والتصوير... ثم نعود لنقيّم الشعوب «ما عندهم متاحف حلوة!».
0 تعليق