خبايا وتكتيكات حرب الاثني عشر يوما - الهلال الإخباري

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
خبايا وتكتيكات حرب الاثني عشر يوما - الهلال الإخباري, اليوم الأربعاء 25 يونيو 2025 09:10 صباحاً


حين يتقاطع الركام بظل الزعيم الأوحد، وحين ترقص الدنيا على رماد الحرائق والفناء، وحين يتجمع البشر حول كراسي مسرح الدمار الذكي، وكل يريد له كرسيا آمنا، ويريد أن يمد يده للمساعدة، أو الإنارة، أو الترتيب، أو التنسيق، أو حتى في إظهار الممانعة لمسرحية ستشغل العالم على مدى الألم وغموض المجريات، وإمكانية أن الوقوع تحت الأقدام، أثناء الهروب من سوء المصير.

في تلك الأيام الاثني عشر، لم تكن السماء وحدها المتصدعة من ضجيج الصواريخ، بل النفوس التي رحلت أيضا والحضارة التي كتب لها أن تعاد إلى الصفر، بدا الشرق الأوسط كما لو أنه مسرح هائل جمع الأضداد، وحان عرض نسخة جديدة من مسرحية مستعادة بالألم ذاته، ولكن بإخراج جديد، ووجوه ولاعبين وكواليس.

وقف الإنسان العادي في العاصمتين المتنازعتين حيرة، لا يفقه السياسات ولا يثق بالروايات، فقط يشعر بأن قلبه يُحاصر، وأن الزمن يتقلّص نحو خواء بلا يقين.

وفوق الركام كانت الحرب اختبارا ميتافيزيقيا للإرادة، والبقاء يدوّى بالخوف في الخارج والحيرة والانكسار في الداخل.

صورة البطل الزعيم، المحب للأضواء تدور حول الكاميرا ليس سياسيا تقليديا، بل رمز لرغبة الإنسان في فرض النظام وسط الفوضى، ولو كان ذلك عبر خلق فوضى أشد.

كان يدرك أن العالم يحتاج لمن يتحدث بصوت أعلى، ويشير بإصبعه فتتبعه البوصلات.

أما زعيما النزاع فكانا يرتديان عباءة الحق في الحياة والتحكّم، وشجاعة لا بد منها، لفرض الصورة أمام شعبيهما والعالم، وهنا يتقاطع السياسي بالنفسي، كما يتقاطع حطام الجدران بحطام اليقين.

الحطام لم يكن فقط ما خلّفته القذائف، بعد أن سكن الوعي الجمعي في لحظةٍ تهتزّ فيها الأرض تحت الأقدام وتبدو الحدود بلا معنى. تهاوت ثقة الأفراد بعالم يُفترض أن يكون «منتظمًا»، فإذا به يُدار كأنه عرض ممل تُعاد فيه اللقطة الأخيرة مرارا، كي يقتنع المشاهد أن النهاية حتمية.

في كل مشهد من تلك الحرب، كان المتابع يحاول الفهم: فلماذا يحدث هذا؟ ولماذا هذا الدمار؟ وهل النصر الذي يُعلَن على المنابر يعني حقا أن المعاناة كانت لها أهداف إنسانية؟

وبعد صراع عنيف، هدأت النار، ولم يُسمع صوت النصر بقدر ما سُمعت أنفاس المنهكين، وهم يمسحون مخاطهم.

انتصر الزعيم!، أي زعيم منهم؟
ورضخت دولة، أو هكذا أُشيع.
لكن خلف الضجيج، كانت هناك عيون تُصغي لصمت الأسئلة: ماذا عن الذين لم يكونوا طرفا في المعادلة المتفجرة، ولكنهم دفعوا الثمن أضعافا؟

ماذا عن الوجوه التي اكتفت بالمراقبة، وظلّت تبحث في مخيلاتها عن ملجأ لو تفجر حولها العبث؟

هكذا تُكتب مسيرات الحروب الجديدة، على الأرض، وفوق الصورة. لا بالنصر الحقيقي الكامل، ولكن بالقدرة على إنقاذ السردية.

هذه هي صيغة حروب المستقبل، ومن لا يفهم ويستعد، ومن لا يمتلك النفس الطويل لرواية معقّدة، يغيب اسمه عن الذاكرة الجمعية، كما يغيب صدى الصراخ في العاصفة.

وحده من يفهم أن الحطام الخارجي غالبا ما يكون مرآة لتصدّعات داخلية، يمكنه بالوعي والتعلم، أن يقرأ الحدث بما لا يسقط السلام عن الإنسان والأوطان من حساب التنمية والحرص ومسابقة الغموض بخالص الفكر.

shaheralnahari@

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق