نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الحياة أصبحت فواتير مستحقة السداد - الهلال الإخباري, اليوم الثلاثاء 27 مايو 2025 01:58 صباحاً
إنه زمن «كم تملك؟» زمن الفواتير والحسابات، حيث العاطفة تحتاج إلى ميزانية، والنية الطيبة وحدها لا تكفي لفتح باب أو لكسب ودّ.. أصبحت الحياة مادية جدا، كلما تقدمت وتطورت وزاد بريقها.. زادت مصاريفها، وأصبح كل شيء عبارة عن فاتورة تُسدد أو قسط يُدفع في حال توفر المال أو دين مؤجل في رقبة العميل في حال عدم توفره عبر شركات التقسيط «اشترِ الآن وادفع لاحقا»، كل شيء أصبح عبارة عن فاتورة تُسدد أو قسط مؤجل: الصحة، الطعام، النقل، الترفيه، مشاهدة التلفاز، السكن، المشتريات حتى الماء الذي نشربه أصبح فاتورة واجبة السداد، وهذا يخلق تحديات على ميزانيات الأفراد والأسر الثابتة رغم تغير كل شيء من حولهم.. المستقبل أصبح قسطا مؤجلا لا أحد يضمن سداده.. إنه واقع مؤلم.
مع حلول الصيف، لا تطرق الحرارة العالية الأبواب فقط، بل تطرق أيضا قلوب الأسر، فواتير الكهرباء تتصاعد كاللهيب، لتصبح عبئا ثقيلا على كاهل ميزانيات الأسر في مشهد يتكرر كل عام، تبدأ العائلات رحلة الصراع مع استهلاك الطاقة، في محاولة بائسة لترويض مصاريف الصيف، ولكن بلا جدوى واضحة، فارتفاع درجات الحرارة لا ينتظر، وتقف الأسر حائرة بين خيارين أحلاهما مُرّ: إما مواجهة الفواتير الضخمة، أو التضحية بالراحة تحت وطأة الحر اللاهب، ولأن الصيف لا يرحم، تسابق المكيفات الزمن لتلطيف الأجواء، ومع كل ساعة تشغيل، تتراكم على الأسرة أعباء إضافية قد تجهل حجمها، والتزامات الحياة لا تتوقف حتى تصدمها الفاتورة آخر الشهر.
أظهرت الدراسات الحديثة أن الالتزامات المالية المتكررة، مثل الفواتير والأقساط، تُعد من العوامل الضاغطة التي تؤثر سلبا على الصحة النفسية للأفراد والأسر، ففي دراسة أجريت في أونتاريو بكندا، تبين أن الأشخاص الذين يواجهون صعوبات في دفع الأقساط الشهرية والفواتير الأساسية معرضون بشكل أكبر للإصابة بالقلق واضطرابات المزاج، مقارنة بمن يتمتعون باستقرار مالي، ومن جانب آخر في مراجعة علمية شاملة لـ40 دراسة دولية أكدت أن تراكم الالتزامات المالية الشهرية، بما في ذلك فواتير الخدمات وأقساط القروض، يرتبط بارتفاع معدلات الاكتئاب والضيق النفسي، خصوصا بين ذوي الدخل المحدود، كما كشفت الإحصائيات الأمريكية أن 47% من البالغين يعانون من تدهور في صحتهم النفسية نتيجة الضغوط الناتجة عن سداد الفواتير والديون الشهرية، مما يؤدي إلى مشكلات مثل القلق المزمن وقلة النوم، إضافة إلى ذلك، أوضحت دراسات أخرى أن الضغوط الناتجة عن عدم القدرة على تغطية الفواتير والأقساط في مواعيدها ترتبط بزيادة خطر الإصابة بأمراض جسدية مثل ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب.
رهاب الفواتير، أو القلق من الفواتير، لم يعد مجرد قلق طبيعي مع الالتزامات المالية، بل تحول إلى رهاب حقيقي يعصف بالاستقرار الأسري والعاطفي، وفق دراسة نشرها المعهد الأمريكي للصحة النفسية فإن 68% من الأفراد الذين يعانون ضغوطا مالية مزمنة أظهروا أعراض اضطراب القلق العام، بما في ذلك الأرق، وفقدان الشهية، الدراسات تؤكد أيضا أن التوتر المالي هو السبب الأول لنشوب الخلافات الزوجية، ففي تقرير صادر عن جامعة دنفر الأمريكية 2022 أشار إلى أن 60% من حالات الطلاق المسجلة كان العامل المالي جزءا أساسيا في انهيار العلاقة.
بتعبير آخر: ليست قسوة الحياة وحدها من تفتك بالأسر؛ بل هذا الخوف الصامت من الأوراق الصغيرة التي تحمل أرقاما كبيرة وأحلاما مكسورة، وكم من الأحلام البريئة وُئدت قبل أن ترى النور، لأن الفواتير وما عليها من أرقام مكتوبة قد لا تسمح بأن نحلم بأكثر؟
يقول علماء النفس إن الحل يبدأ من الاعتراف بالمشكلة لا إنكارها، ثم العمل على بناء ثقافة مالية واضحة داخل الأسرة، مع توزيع الأدوار وتقديم الدعم النفسي المتبادل، أحيانا، يكفي أن يجلس أفراد الأسرة معا، يواجهون مخاوفهم بدل أن يهربوا منها، أحيانا، يكفي أن نقول لبعضنا: «لسنا وحدنا في هذا الطريق الصعب»، كي نستعيد بعض الأمل، في النهاية، الفواتير قد تكون أوراقا بلا حياة، لكنها قد تكون أقوى من إرادة الإنسان أحيانا، وقد تخنق أحلامه ببطء، وربما، أقسى شعور يعيشه القلب هو أن يحسب الاستقرار والطمأنينة بقيمة قدرته على سداد الفواتير والأقساط.
للتعامل مع الضغوطات المالية وتحدياتها التي تواجه الأفراد والأسر، من الضروري وضع ميزانية واضحة وشفافة مع تحديد أولويات الإنفاق بدقة، إلى جانب تقليل النفقات غير الضرورية والبحث المستمر عن طرق للتوفير، كما يُنصح بالحفاظ على مصدر دخل ثابت، والسعي إلى تنمية المهارات لزيادة فرص العمل والدخل، ومن المهم أيضا تجنّب الديون قدر الإمكان، والاستعانة بأصحاب الخبرة عند الحاجة، ولا يقل الجانب النفسي أهمية عن الجانب المالي، إذ إن الاستقرار النفسي والصلابة النفسية يعززان القدرة على اتخاذ القرارات المالية الصائبة واختيار أفضل الخيارات المتاحة.
0 تعليق