ترامب يقابل مناكفة الأوروبيين بالتهكم - الهلال الإخباري

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
ترامب يقابل مناكفة الأوروبيين بالتهكم - الهلال الإخباري, اليوم الأحد 18 مايو 2025 12:10 صباحاً

لا غرابة في أن يخاطب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأوساط الأوروبية بلغة فيها من التهكم والسخرية الشيء الكثير، عندما قال خلال حديثه للجنود الأمريكيين في قاعدة العديد القطرية، إن أوروبا كانت ستتحدث الألمانية لولا دور الولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية، إذ إن لغة خطاب ترامب، وإن كانت في موضع السخرية، تعبر عما يدور في عقلية السياسي الأمريكي تجاه الممارسات السياسية الأوروبية بقيادة فرنسا، التي ما فتئت تتلقف المواقف السياسية للولايات المتحدة الأمريكية في عدد من بقاع الأرض.

ولعل آخر تلك الممارسات استقبال فرنسا قبل أسبوعين، للرئيس السوري أحمد الشرع، التي تعكس مصالح أوروبية برؤية فرنسية، تهدف إلى مناكفة الإدارة الأمريكية وإعلان التحدي لواشنطن في أحد أكثر الملفات أهمية في منطقة الشرق الأوسط.

وبالرغم من الهجوم الذي تعرض له الرئيس ماكرون من قبل أحزاب المعارضة في الداخل الفرنسي عند استقباله للرئيس الشرع في باريس قبل أسبوعين، فإنه خرج بقوة بعد الاجتماع مؤكدا على ضرورة العمل سريعا على رفع العقوبات عن سوريا، التي تحتاج إلى فترة طويلة للتعافي، عادا الحوار مع الرئيس السوري ضروريا وبناء، ويتطلب مواصلة العمل مع سوريا لأن ذلك من مصلحة فرنسا وأوروبا.

وينبغي الإشارة إلى أن تلك الزيارة تعد أول زيارة للرئيس الشرع إلى أوروبا منذ توليه السلطة بعد الإطاحة بنظام الأسد في ديسمبر 2024م، وتأتي في سياق تحولات إقليمية ودولية متسارعة، حيث تسعى سوريا إلى إعادة بناء علاقاتها الدولية، وتعزيز الاستقرار الداخلي، ورفع العقوبات الاقتصادية، قبل أن يعلن ترامب من الرياض عاصمة القرار السياسي، إنهاء العقوبات على دمشق.

كما كانت تكتسب تلك الزيارة أهمية خاصة لسوريا تحديدا، لعدة أبعاد هي إعادة الانفتاح على الغرب، خاصة أن فرنسا كانت من أوائل الدول التي قطعت علاقاتها مع النظام السابق، والسعي لمواجهة تصاعد التوترات في المنطقة، بما في ذلك الضربات الجوية الإسرائيلية على سوريا، مما يجعل من الضروري تعزيز الاستقرار الإقليمي من خلال الحوار والدبلوماسية.

في المقابل، فإن باريس لها مصلحتان، الأولى تشغيل الموانئ السورية على البحر الأبيض المتوسط، كميناء اللاذقية الذي شهد الشرع مع مسؤول فرنسي على توقيع عقد تطويره وتشغيله لمدة ثلاثين عاما، أما الثانية فهي تسليم المندرجين في إطار الفصائل المسلحة في سوريا، ممن يحملون الجنسية الفرنسية، على اعتبار أنها جزء من مواجهة الإرهاب، الذي يمكن لها تسويقه لمصلحتها دوليا.

كما أن ألمانيا أيضا كانت ضمن الدول السباقة التي ابتعثت مندوبة لها للقاء أحمد الشرع، لكن مصالح برلين تختلف عن باريس، إذ إن الألمان لديهم هم كبير، وهو إخراج اللاجئين السوريين من أراضيهم، لا سيما ممن لم ينخرطوا في المجتمع الألماني، خصوصا من تجاوزت أعمارهم الستين عاما، فهم يشكلون عبئا ماليا على الدولة.

ومع أن هناك مصالح مشتركة تربط باريس وبرلين في علاقاتهما مع دمشق، بالرغم من الاختلاف في التفاصيل، فإن هناك مصلحة لا تقل أهمية أيضا وهي محاولة حفظ ماء الوجه مقابل سياسات الرئيس الأمريكي، الذي وفق رؤيتهم، تسبب بإهانتهم أمام شعوبهم، بعد فرض الضرائب الضخمة على هذه الدول، ما جعل الفرقة تضرب علاقات الولايات المتحدة الأمريكية بالقارة العجوز، وتصعد الاختلاف في الملفات، وتزيد عمق التقاطع في المصالح، حتى أصبح الأوروبيون لا يملكون الثقة في ترامب.

وبذكر القارة العجوز ينبغي عدم تجاهل المملكة المتحدة، التي تعاملت بذكاء خارق مع الإدارة الأمريكية، إذ بعثت رئيس وزرائها برسالة مدموغة بإمضاء الملك تشارلز الثالث، يدعوه فيها لزيارة بلاده للمرة الثانية، وهو ما يعكس أن لندن فهمت أسلوب التعامل مع شخصية ترامب، وتعاملت معه على أساس ودي وليس مصلحي، وهذا ما تجسد من خلال ملامح الرئيس الأمريكي التي نقلتها وسائل الإعلام العالمية، حين سلمه رئيس الوزراء البريطاني تلك الرسالة آن ذاك، فقد تشكلت على محياه كثير من ملامح الود والفرح في آن واحد.

لكن في مقابل الذكاء البريطاني، هناك من يتعامل بعاطفة وعناد مطلق في السياسة الأوروبية، وما استقبال أحمد الشرع في قصر الإيليزيه في باريس من قبل ماكرون، إلا دليل على ذلك، فدون أدنى شك سيكون لهذه الزيارة تبعاتها، وستتسبب في كثير من التعقيدات في السياسة الأمريكية الفرنسية على أقل تقدير، لا سيما أن المكتب البيضاوي، لم يمنح الرئيس السوري كامل الرضى والقبول، آن ذاك، إلا بعد زيارته للسعودية، إذ إن هذه الخطوة أتت تلبية لرغبة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، الذي يعرف بحنكته كيف تدار الأمور وكيف يفرض الحلول وتوجيهها في مصلحة السوريين.

إن الجرأة الفرنسية في استقبال الشرع بصرف النظر عن محاولات تصويرها على أنها سياسية بالدرجة الأولى، ستكون ذات معانٍ مرفوضة، حسب ما سيفسره السياسي الأمريكي، فهي تعتمد وتقوم على محاولة مناكفة للولايات المتحدة الأمريكية وإدارة ترامب، الذي يعرف عنه سرعة القرار، وتبنيه أسلوب الضغط المباشر والقوي، فها هو اليوم يطلق رسائل للمجتمع السياسي في أوروبا، بخطاب ظاهره سخرية وباطنه امتعاض من سياسات قادة أوروبا، الذين لم يجيدوا بعد كيفية التعامل مع الإدارة الأمريكية.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق