نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
تنازلات ذات علو - الهلال الإخباري, اليوم الثلاثاء 13 مايو 2025 10:58 مساءً
في ردود الأفعال يكمن نمونا وسعادتنا، وموفق من كان دائما يستنطق أسئلة القيم وما هي المآلات الإيجابية التي تسير بتلك التصرفات والأفعال، وأحد المشاهد التي تعبر عنها تلك المساحة التي تقع بين الفعل وردة الفعل، هي ردود الأفعال الصامتة أو التي تظهر في شكل التنازل، هناك تنازلات في مواقف الحياة تقيم إعوجاجها وتهذب النفس نحو السلوك السوي، وتثقل ميزان الأخلاق وتسمو بالروح في داخل الإنسان على المادة، ولا أقصد هنا الجانب الحقوقي لملكية الشخص في المنتجات والآراء وإنما ما يحتمله فعل التنازل في المواقف الأخلاقية ذات المروءة، والذي سيجعل من مآلات الأمور تذهب بها إلى الرقي الإنساني والمسارات الإيجابية المستقبلية، من تلك المشاهد الكثيرة الخلابة والتي عنونت لها اسم تنازلات ذات علو، سأذكر طرفا منها مما رأيت وشاهدت:
- التنازل عن ما يصيبك من أذى من جميع الناس، فتلك طاقة لا يطيقها أغلب الناس وتتجاسر إذا كانت من صاحب ود وألفة.
كم هو مؤلم أن يأتيك الأذى من قريب، من صاحب ود وألفة... لكن العاقل يدرك أن التنازل عن الأذى، وإن أوجع، هو راحة للنفس وسلام للقلب ورفعة في الدنيا والآخرة.
ولا تتجلى معاني العفو عند المقدرة إلا إذا كان لديك القدرة على الرد واخترت الصفح رغم مرارة الغضب.
- البطولة الصامتة التي لا يقدر عليها إلا الكبار، وهي أن تعمل الإصلاحات الضخمة وأن تتنازل فيها عن الظهور في زمن الصور والتصفيق، ودوافع هذا السلوك تكمن في أمرين: الأول أن الإنشغال الكبير بفكرة التغيير الحقيقي الإيجابي بغض النظر كيف كان ذلك التغيير على يدك أم على يد الآخر، والأمر الآخر الارتباط القيمي والمبادئي في الإحسان بأن الله يرى ما تعمل وكفى بالله شهيدا، فضلا عن تلك العدالة السماوية التي أخذت مكانها في النفس (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره) وأعلى مستويات رفاهية الروح تجدها عند من يعمر، ويبني، ثم ينصرف دون ضجيج.
- (وبالوالدين إحسانا)، حين تتفهم أن دور الوالدين في حياتك لا يمكن أن يعوض، وأن برهما ورضاهما هو أغلى ما يمكن أن تناله في الدنيا. التنازل عن كل حق لك أخذه منك والداك رضا أو كرها. في هذا الموقف، يتداخل التنازل مع الواجب وما يلزم الحال فعله، إذ يصبح ما تقوم به ضرورة أخلاقية ودينية، لا مجرد اختيار.
- ومن أسمى أشكال الوعي والتسامح هي تلك التنازلات عن سلطة الرأي في عائلتك وعملك ومجتمعك الصغير، وخاصة عندما تكون المسائل في ما تستهلكه يومياتنا من الأشياء الصغيرة. أن تترك للآخرين مساحة للتعبير والاختيار، فإنك بذلك تبني جسورا من الاحترام والتفاهم، ورجحت في حياتك ركيزة التوافق والإنسجام على ما يقابلها من المعيارية الشخصية التي تقيم وتصنف وتعتمد بأن الأشياء لا بد لها أن تمرر من خلالك.
- (أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا) وهنا أحد ملامح النبل الإنساني بأن تتخلى اختيارا عن نقاش أو جدال رغم وضوح الحقيقة بالنسبة إليك، لترجيح السلام الداخلي والعلاقات الجيدة مع الآخر على الانتصارات الصغيرة. ما كان هذا التنازل المرتفع إلا مصاحبا لسمو في الروح وحكمة متأنقة.
وكل هذه التنازلات وغيرها لا تتقاطع مع حفظ الحقوق لديك، وإنما الحكمة وممارسات الحياة المختلفة قد ترجح تنازلا على اكتساب حق لك أو العكس. وأعلم مدى صعوبة ذلك على النفس فضلا عن التبشير بها، ولكن كما قد قال من سلف: إن المعرفة هي الخطوة الأولى للتأسي والسير على الطريق.
والله أعلم.
0 تعليق