نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
التفكير النقدي في عصر الخوارزميات... المعركة التي لا نراها - الهلال الإخباري, اليوم الثلاثاء 13 مايو 2025 10:49 مساءً
المسألة لا تتعلق بنظريات تآمرية معقدة، بل بحقيقة واضحة: نحن نتعامل مع خوارزميات ذكية، طوّرت خصيصا لتعرف ماذا نحب، ماذا نرفض، وما الذي يجذب انتباهنا، هذه الخوارزميات ليست خبيثة النية بالضرورة، لكنها مبرمجة لهدف بسيط: إبقاؤك أطول فترة ممكنة داخل المنصة، ولتحقيق ذلك؛ تقدم لك باستمرار ما يرضيك ويثيرك، فتعيد تغذية ميولك السابقة مرارا وتكرارا.
وبينما تظن أنك تتصفح بحرية، تجد نفسك دون وعي منك داخل فقاعة معلوماتية مغلقة؛ كل ما تراه يعكس ذوقك وأفكارك أنت، وقد يبدو هذا مريحا في البداية، لكنه يحمل في طياته خطرا حقيقيا، حيث مع مرور الوقت، تتضاءل قدرتك على رؤية العالم من زوايا جديدة، وتضعف قابليتك لمناقشة الأفكار المختلفة بمرونة واتزان.
وبحسب اطلاعي وبحثي في الدراسات الحديثة التي تناولت تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على الوعي الجمعي، تبرز دراسة Suryawati وآخرون (2024)، التي أظهرت نتائجها أن هذه البيئة الرقمية، بما تحويه من محتوى متشابه ومتكرر، تساهم في تعزيز الأنماط الفكرية الضيقة وتحدّ من التنوع المعرفي، وهو ما يؤدي بمرور الوقت إلى إضعاف قدرة الأفراد على ممارسة التفكير النقدي؛ فكلما تعرض الإنسان لمعلومات تؤكد قناعاته المسبقة، تراجعت حاجته إلى التمحيص والتحليل، واعتاد عقله تدريجيا على القبول السهل بدلا من البحث المتأني.
ولعلّ ما يزيد الصورة وضوحا هو ما بات يعرف بـ"ظاهرة الدوائر المغلقة"، والتي تصف كيف أنّ التعرض المستمر للمحتوى المتماثل يجعل الحقيقة الموضوعية أكثر ضبابية، حيث تتضاءل المسافة بين الحقيقة والرأي، فيما نصبح أسرى قناعات شخصية نعتقد - خطأ - أنها مطلقة وغير قابلة للنقاش.
تزداد خطورة المشهد حين ندرك أن الجيل الجديد بات يعتمد اعتمادا شبه كلي على هذه المنصات كمصدر رئيسي للمعرفة، ووفقا لتقرير عالمي نشره موقع (DataReportal-2025)، بلغ عدد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي أكثر من 5.24 مليارات مستخدم حول العالم، أي ما يعادل نحو 64% من سكان العالم، فيما يقضي المستخدمون في المتوسط ساعتين و21 دقيقة يوميا على هذه المنصات، وهو ما يبرهن أن تأثيرها بات أقوى من أي وقت مضى، والمجتمع السعودي جزء من هذا المشهد العالمي.
رغم هذا المشهد المقلق، لا يمكن إنكار أن هناك حراكا عالميا ومحليا على مستوى الحكومات والهيئات التنظيمية يسعى لمواجهة هذا الواقع، عبر مبادرات لتعزيز الوعي الرقمي، وضبط المحتوى الموجّه، وتشجيع التنوع الفكري، لكن الحقيقة التي يجب أن نواجهها بلا مواربة هي أن هذه الجهود - مهما بلغت أهميتها - لن تكفي وحدها ما لم نوقظ في أنفسنا حسّ اليقظة والتمحيص.
ختاما، المسؤولية الأكبر تقع على عاتق كل فرد منّا؛ فنحن بحاجة إلى أن نستعيد شجاعة السؤال: لماذا أرى هذا المحتوى دون غيره؟ ماذا عن الآراء والأفكار الأخرى؟ وهل ما يعرض أمامي يعكس الحقيقة كاملة أم مجرد جزء منها؟ فالمسألة أعمق مما نظن؛ إذ إن الخوارزميات ليست عدوا واضحا، لكنها، من حيث لا ندري، قد تتحول مع الوقت إلى أداة تضعف أهم ما نملك، وهو وعينا القادر على التحليل والتمييز والتفكير المستقل بعيدا عن اختزال الرؤية أو تضييق الأفق.
عبدالله يقول ليست المشكلة أن تستهلك المحتوى، بل أن تترك هذا المحتوى يستهلك قدرتك على التفكير... دون أن تدرك.
0 تعليق