تخصص التربية الخاصة بين الأساس والمساندة: تساؤلات مشروعة حول فلسفات الإعداد الأكاديمي - الهلال الإخباري

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
تخصص التربية الخاصة بين الأساس والمساندة: تساؤلات مشروعة حول فلسفات الإعداد الأكاديمي - الهلال الإخباري, اليوم الأحد 11 مايو 2025 12:19 صباحاً

هل يبدو لك هذا السؤال غريبا: «هل تخصص التربية الخاصة يعد تخصصا أكاديميا أساسيا، أم تخصصا فرعيا مساندا؟» قد يكون كذلك، خاصة إذا جاء من شخص أمضى سنوات في دراسة هذا التخصص، ويحمل شهادات عليا فيه. لكن اسمح لي أن أفتح معك هذا الحوار بهدوء، دون أحكام مسبقة. فالهدف هنا ليس التقليل من شأن التربية الخاصة كتخصص، بل على العكس تماما، الهدف هو التفكير النقدي في كيفية إعداد معلمي هذا التخصص، والتأمل في فلسفات دول أخرى قد تختلف عنا في الرؤية والمنهج. في الحقيقة، ما حفّزني لكتابة هذا المقال هو قراءتي لكتاب (Special Education International perspectives: Practices Across the Globle)، يعرض تجارب دول مختلفة في إعداد معلمي التربية الخاصة في قارات العالم الخمس. وقد لفت انتباهي أن بعض هذه الدول لا تعتبر التربية الخاصة مسارا أكاديميا مستقلا، بل تنظر إليها بوصفها مكمّلا أو امتدادا لتخصصات تعليمية أخرى. قبل أن نخوض في تفاصيل هذه الفلسفات المختلفة، دعني أوضح أولا ماذا أقصد بمصطلحي «التخصص الأساسي» و»التخصص الفرعي المساند».

التخصص الأساسي هو المجال الأكاديمي الرئيس الذي يُعد الطالب تأهيلا كاملا لممارسة مهنة معينة بشكل مباشر، ويبنى عليه المسار المهني والتطبيقي. أما التخصص الفرعي المساند، فهو مجال معرفي أو مهاري يُضاف إلى التخصص الأساسي، ليعزز من كفاءة الممارسة، أو يفتح مجالات دعم إضافية دون أن يكون مجالا مستقلا بذاته. خذ مثالا بسيطا: تخصص الرياضيات يعد تخصصا أكاديميا أساسيا يؤهل الخريج مباشرة ليكون معلم رياضيات. وإذا التحق هذا الخريج لاحقا ببرنامج «طرق تدريس الرياضيات» في قسم المناهج وطرق التدريس، فإن هذا القسم أو التخصص يُعد تخصصا فرعيا مساندا لأنه لا يؤهله لمجال جديد، بل يطوّر أداءه في مجاله الأصلي.

الآن دعنا نتحدث عن فلسفتين مختلفتين في إعداد معلمين التربية الخاصة حول العالم. في السعودية، يستغرق إعداد معلم التربية الخاصة أربع سنوات جامعية، يحصل بعدها الطالب على درجة البكالوريوس التي تتيح له العمل في مدارس التعليم العام، وتحديدا في الفصول أو البرامج المخصصة للطلاب ذوي الإعاقة. خلال الدراسة، يتخصص الطالب غالبا في فئة محددة (مثل: الإعاقة الفكرية، التوحد، أو صعوبات التعلم) ويتلقى تدريبا نظريا وتطبيقيا مكثفا. بعد التخرج، يبدأ المعلم عمله مع طلابه في فصول خاصة، يعلمهم فيها مهارات أكاديمية أولية مثل تمييز الحروف، الأرقام، الألوان، بالإضافة إلى مهارات حياتية كارتداء الملابس، تنظيف الأسنان، والتفاعل مع البيئة. وتُعد التربية الخاصة في السعودية تخصصا أكاديميا مستقلا، له مساره المهني وبرامج الدراسات العليا الخاصة به (ماجستير، دكتوراه)، ما يدل على عمق التقدير لهذا التخصص وأهميته.

في المقابل، تتبنى دول مثل أستراليا وبعض الدول الاسكندنافية، فلسفة مختلفة في إعداد معلمي التربية الخاصة. هناك، لا ينظر إلى هذا المجال كتخصص أكاديمي مستقل، بل يعد فرعا مساندا لتخصصات تعليمية أساسية أخرى. في هذه الدول، لا يُشترط أن يقضي الطالب أربع سنوات في دراسة التربية الخاصة، بل يمكن لأي معلم حاصل على درجة البكالوريوس في تخصص تعليمي أساسي، ويلتزم بمعايير التدريس، أن يلتحق ببرنامج دبلوم عالٍ مكثف في التربية الخاصة. يهدف هذا البرنامج إلى تزويده بالمعارف والمهارات التي تمكنه من التعامل مع الطلاب ذوي الإعاقة داخل بيئة التعليم الشامل. ومن منطلق فلسفة «التعليم الشامل»، ترى هذه الدول أن جميع المعلمين – لا المتخصصين فقط - يجب أن يكونوا مؤهلين للتعامل مع جميع فئات الطلاب، بما فيهم ذوو الإعاقة، وأن البيئة التعليمية الأقل تقييدا هي الأفضل لنمو الطالب وتقدمه.

انطلاقا من هذا التباين في فلسفة إعداد معلم التربية الخاصة، قد تبرز تساؤلات محورية، لا تهدف إلى إثارة الجدل، بل تحثنا على التفكير: هل التربية الخاصة في السياق السعودي بحاجة إلى أن تظل تخصصا أكاديميا مستقلا أو ممكن النظر إليها كتخصص فرعي مساند؟ هل من المنطقي أن يُدرّس معلم حاصل على درجة البكالوريوس (وربما الماجستير) في تخصص التربية الخاصة مهارات بسيطة جدا كتدريس الحروف الهجائية أو ارتداء الجوارب؟ كيف يمكن أن نعيد التفكير في نماذج تأهيل معلمين التربية الخاصة، دون أن نتخلى عن جودة التعليم أو نُقصي المتخصصين؟ هل يمكن أن يؤدي دمج التربية الخاصة كتخصص مساند إلى تعزيز الشمولية في التعليم، أم قد يفقد التخصص عمقه الأكاديمي والمهني؟

التربية الخاصة ليست مجرد تخصص أكاديمي، بل هي التزام أخلاقي ومجتمعي تجاه فئة عزيزة علينا. ولا شك أن عمق التخصص في السعودية له إيجابيات، سواء على مستوى المعرفة أو الحس الإنساني العالي لدى المعلمين. لكن هذا لا يمنعنا من النظر في تجارب الدول الأخرى التي قد ترى أن دمج التربية الخاصة داخل التخصصات الأخرى يخلق بيئة تعليمية أكثر شمولا وتنوعا. لا توجد إجابة واحدة صحيحة. لكن طرح الأسئلة، والخروج من «المألوف الأكاديمي»، قد يكون أول خطوة نحو تطوير أنضج وأشمل.

أخبار ذات صلة

0 تعليق