نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
سفينة الصيادة مادلين الغزّية والإلهام الشعبي - الهلال الإخباري, اليوم السبت 14 يونيو 2025 10:49 مساءً
تعبر السفينة مادلين الآن (هذا أصبح في عداد الماضي، عبرت السفينة) البحر المتوسط مقتربة من شواطئ غزة في محاولة مدنية شعبية عالمية لكسر حصار غزة وإيصال شيء من المساعدات الرمزية التي تمنع قوات الاحتلال الصهيوني وصولها إلى الشعب الفلسطيني في غزة منذ 3 أشهر بشكل تام، معرضة إياهم لمجاعة لم يشهدها العالم أمام ناظريه من قبل، في حين لم تتوقف قنابل الطائرات وقاذفات المدافع من دك كل ما هو واقف ومتحرك في غزة حتى مراكز المساعدات التي تدعى إنسانية استقبلت الأهالي الجوعى بإطلاق النار(الجيش يربض بجانبهم ليقوم بالمهمة) ليختلط دمهم بالدقيق وأكياس الباستا والبقول وقد فاقوا المئة شهيد وشهيدة. كل هذا مرة أخرى، أمام ناظري العالم الغربي والعربي والإسلامي.
والسفينة مادلين هي جزء من تحالف أسطول الحرية لتحرير غزة The Freedom Flotilla Coalition (FFC) الذي تأسس منذ 15 عاما في 2010، وكان عدد ممن أسسوه ضمن أول سفينة تكسر الحصار الإسرائيلي في 2008 ضمن سفن الحرية آنذاك. وقد سيروا خلال هذه الفترة 8 سفن منها ما نجح ووصل إلى غزة ومنها ما منع ومنها من تحالفات أخرى ما انتهى بجرائم أفظعها في 30 مايو 2010 مع السفينة مرمرة/الحرية 1 التي كانت قادمة من تركيا والتي هاجمتها البحرية الإسرائيلية ليلاً وقتلت 10 ممن كانوا على متنها من ناشطين وجرحت الكثيرين وخرجت من العملية دون أي مساءلة حتى اليوم كشأنها مع العالم دوماً.
وما السفينة مادلين إلا ثاني سفينة خلال شهر واحد يحاول التحالف تجهيزها لتصل غزة بالمساعدات الغذائية والطبية، حيث تعرضت السفينة الأولى «الضمير» إلى ضربات من مسيرات على مقدمتها أحرقتها بينما كانت في عرض البحر في المياه الدولية، ومع أن المعتدي كان معروفاً إلا أن السلطات المالطية رفضت دخول أي فرق تحقيق جنائية دولية ورفضت توجيه الاتهام إلى أي جهة في القضية مكتفية بنشر تقرير لعل أهم ما فيه أن سبب الحريق كان خارجياً ولم يكن هناك أي شيء قابل للاشتعال في داخل السفينة.
وبعد إعداد أسطول الحرية لسفينة أخرى انطلقت من كاتانيا في صقلية في الأول من يونيو سبقها إقامة فعاليات وجلسات حوار ومعارض خاصة بغزة توافق الذكرى الخامسة عشرة لمجزرة سفينة مرمرة. واجتمع على السفينة الثانية، مادلين، 12 ناشطة وناشطا على رأسهم غريتا تونبرغ، الناشطة السويدية الشابة المعروفة في مجال البيئة، ريما حسن عضوة البرلمان الأوروبي الفرنسية الناشطة من أصل فلسطيني، ويانيس محمدي، مخرج الأفلام الوثائقية الفرنسي الذي عرف بإخراجه لفلم «نتنياهو: صورة لمجرم حرب»، والتي عرضت في المسارح الفرنسية عام 2024، وياسمين أكار، الناشطة الألمانية الكردية، وثياغو أفيلا، قائد أسطول الحرية في البرازيل وهو ناشط وبحار يتولى قيادة سفينة مادلين، وعدد آخر من إسبانيا، هولندا، فرنسا، وتركيا وربما رومانيا، حيث لم يتأكد عندي مشاركة نيكولا جونز التي كانت في سفينة الضمير.
وإطلاق اسم مادلين تيمناً بمادلين كُلاّب على سفينة يونيو لأسطول الحرية لكسر حصار غزة ذو دلالات مهمة، ففيه تحية وتقدير للمرأة الغزية المكافحة والصامدة. فمادلين كُلّاب، بنت البحر سليلة أسرة الصيادين، هي الغزّية الوحيدة التي تمتهن الصيد على شواطئ غزة منذ مرض والدها وهي بعد في الثالثة عشرة من عمرها، لكن كل قواربها وشباكها وأحلامها وما استثمرت فيه مع أبيها ثم زوجها فقدته في الحرب التي تم تدميرها من قبل جيش الاحتلال، فضلاً عن استشهاد والدها فيها.
ويخوض هؤلاء الناشطون، الذين تقودهم إنسانيتهم التي يعملون لأجل عدم خسارتها أمام تخاذل حكوماتهم، معركة صعبة مع مجرم حرب اعتاد أن ينجو من العقاب، ولا قبل لهم به سوى باستنفار العالم وجعلهم على بيّنة مما يحدث معهم ولهم في كل ساعة ودقيقة بتخصيص موقعهم على الانترنت ليحمل كل تفاصيل أسطولهم وأهدافه وأفراده وتفاصيل قضية غزة وحروبها وأطفالها وضحاياها، وكذلك رابط تتبع لمتابعة موقع السفينة في البحر والتأكد من أن مؤشرها ما زال ينبض، ليكون العالم شاهداً بدوره على ما يجري لهم، لا سيما في ظل تهديد وزير دفاع الكيان الصهيوني نفسه للسفينة، وخاصة لغريتا تونبرغ التي يتهمها كما هو معتاد بمعاداة السامية ومساندة حماس. ولم يكن منها ومن باقي الطاقم إلا أن ردوا بأن إطلاق هذه الاتهامات الجوفاء لا معنى له، ولن تخيفهم، فهم لا يخالفون قانوناً ولا يتعدون حدوداً، فحدود غزة مغلقة قسراً ودون وجه حق ومهمتهم الإنسانية لا يخالفهم عليها أحد.
إن رمزية التضامن التي يمثلها ويمد بها هؤلاء الناشطون من كل أنحاء العالم أيديهم لبالغة الأثر في تعرية المحتل مجرم الحرب، مجرم الإبادة والتطهير العرقي والعقاب الجماعي ومن يتواطأ معه من الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية التي رفعت الفيتو للمرة الخامسة في مجلس الأمن منذ بدء الحرب على غزة لتعترض طلب إيقاف إطلاق النار وإنهاء الحرب في مسرحية مأساوية لم يشهد لها العالم الحديث مثيلاً. لكن الأمل الذي يصل الغزيين من خلال مواقف التضامن الشعبي العالمية يعيد إليهم شيئاً من الإحساس بالكرامة والانتماء إلى هذه الإنسانية وأنهم بعد لم يتركوا لمصيرهم فيه وحدهم.
وكما كان متوقعاً، أوقفت بحرية الاحتلال سفينة الحرية السلمية حوالي الثانية صباحاً من يوم التاسع من يونيو 2025، بعد أن رشت مادة كيميائية بيضاء على السفينة واعتقلت من كان على متنها، وبعد أن كانت كل التفاصيل تبث على الهواء مباشرة على الجزيرة مباشر، توقف كل شيء بعد أن أغلق عمر فياض، الصحفي الفرنسي، كاميرته، وقطعوا الإرسال عن السفينة.
بعد حبس الأنفاس طيلة حوالي 24 ساعة حتى تكشفت القصص، حيث قيدت مادلين إلى ميناء أسدود بعد أن عرضت البحرية بعض الصور للناشطين وهم يناولونهم سندويتشات وقوارير ماء، اتضح أنها سحبت منهم مجرد أن أطفئت الكاميرات وتركوهم محبوسين في قاع القارب دون طعام أو شراب. ثم وضعوهم في حجز الرملة على مقربة من مطار تل أبيب، حتى يوقعوا على ورقة تقول إنهم دخلوا أراضيهم بشكل غير شرعي، بينما تم القبض عليهم في المياه الدولية. فرفض 8 من الناشطين ووافق 4 بعد الاتفاق فمنهم لديه ظروف وجزء منها أن يخرجوا للعالم ويحدثوا بما يحدث في الداخل. وفعلا كانت غريتا ممن رُحّلت إلى السويد عبر فرنسا، حيث قابلها الصحفيون وانهالت الأسئلة البريئة والمذنبة لكن الجميل في الأمر أن هذه الفتاة أم 22 عاما كانت على درجة عالية من الحنكة والحكمة والخبرة في الرد على الصحفيين وفي عدم تركهم يشتتون الانتباه بأسئلة جوفاء وتعيدهم في كل مرة لتؤكد أن إسرائيل ترتكب جرائم حرب في غزة كل يوم، وأننا سفينة سلمية أرادت إيصال بعض المساعدات الرمزية ولم نخرق القانون بأي شكل بل إن البحرية الإسرائيلية من فعل حين قادتنا قسراً داخل أراضي الاحتلال، وأن كل ما قاموا به ويقومون به إلى الآن يخرق كل القوانين الدولية ومنها فرض التوقيع على وثائق غير قانونية وحبس الناشطين في مراكز الاعتقال الإداري الإسرائيلية، حيث يضرب أشيلا عن الطعام لمدة 48 ساعة ولذا فحبسوا في غرفة منفردة وفعلوا الشيء نفسه مع النائبة في البرلمان الأوروبي ريما حسن، بل هددها الجندي الإسرائيلي بأنها لو لم توقع فسيطرق رأسها في الجدار.
وصلت إسرائيل إلى درجة لا يمكن تصورها من العصمة والنجاة من العقاب وما زالت القصة تتفاعل ولعل هذا أهم ما نتج عن أسطول حرية مادلين. لكن لا يمكننا الحديث عن خيبة الأمل التي عبأت قلوب الغزاويين وهم ينتظرون مادلين على الشاطئ، وخلال اليوم نفسه لم توقف إسرائيل ماكينتها القاتلة واستشهد 75 فلسطينياً جلهم حول أقفاص المساعدات «الإنسانية».
العالم كله يشاهد وعينه بعد مادلين، على من كان على متن مادلين. لكن حراكاً آخر بدأ وكأن أسطول الحرية سلم الراية لمن يليه، فها هي قافلة الصمود الدولية تنطلق يوم 9 يونيو من الجزائر وتونس باتجاه مصر لتلتقي بثلة أخرى من الناشطين من كل مكان وإلى العريش ليبدأوا منها في 15 يونيو مسيرتهم الراجلة إلى رفح لكسر حصار غزة وجوعها وإبادتها.
0 تعليق