الأديولوجيا ومفارقات التاريخ - الهلال الإخباري

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الأديولوجيا ومفارقات التاريخ - الهلال الإخباري, اليوم الأربعاء 28 مايو 2025 01:31 صباحاً

قبل عدة أسابيع، توفي المفكر الأمريكي الشهير جوزيف ناي صاحب نظرية القوة الناعمة، هذه الاستراتيجية التي تحولت في العقود الأخيرة إلى أديولوجيا سياسية في إدارات البيت الأبيض المتعاقبة، وقبل وفاته تأسّف ناي لمستقبل أطروحته التي لم تعد منهجا أساسيا في السياسة الأمريكية خصوصا مع إدارة الرئيس الحالي دونالد ترامب، وتساءل المفكر الأمريكي عن غموض مستقبل أطروحته الشهيرة!!

ليس الولايات المتحدة وحدها من انقلبت على أديولوجيتها ومبادئها السياسية، هناك الصين أيضا، فالسياسة الصينية تحمل إرثا عميقا من الفكر الاشتراكي الشمولي، هذا الإرث الثقافي لا يزال يهيمن على العقلية السياسية الداخلية لبكين، لكنها تخلت عنه اقتصاديا، فالمنهجية الاقتصادية للصين تسير وفق الرأسمالية الغربية، ولو تساءلنا عن سر النهضة الاقتصادية الحديثة للصين لوجدنا الولايات المتحدة الأمريكية هي السبب!!، فكيف ذلك؟، يرى أغلب المتابعين للشأن الصيني أنّ بكين قد ظلت دولة نامية وبعيدة عن عالم الاقتصاد المزدهر حتى عام 1972م عندما زارها الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون، فبعد هذه الزيارة حصل الانفتاح الغربي على الصين الأمر الذي انعكس ايجابا بقوة على مسار الاقتصاد الصيني الذي تأثر بالفكر الاقتصادي الغربي، فقد كانت الولايات المتحدة تقصد من هذه الزيارة إيجاد حالة عزل بين موسكو وبكين كونهما دولتان اشتراكيتان تستندان إلى الخلفية الأديولوجية نفسها، وقد نجحت فعلا في ذلك، لكن بكين التي استفادت من هذا الانفتاح، وهي الصديق اللدود الذي يخشى الغرب منه اليوم!!

الصحافة الأوروبية تتهم الصين أنها تريد الهيمنة على مفاصل الاقتصاديات الغربية مثل تجارة الحديد والصلب، فكيف استطاعت الصين تحقيق هذا الإنجاز الخطير؟ الحقيقة تكمن وراء الأديولوجيا الاشتراكية التي تخلت عنها بكين في واقع سياساتها، فلم يعد للاشتراكية الاقتصادية أي وجود في توجهات بكين المالية خلال العقدين الماضيين، وهذا التخلي الأديولوجي منح بكين أبعادا من التوسع الاقتصادي العالمي بل وفي عقر أوروبا نفسها التي سمحت للشركات الصينية بالاستثمار وفق مبادئ حرية الاقتصاد والرأسمالية!!

معظم المتابعين والمهتمين لتاريخ الاقتصاد الحديث بات يؤمن أن الاشتراكية كأديولوجيا مغلقة ومؤطرة لا يمكن أن تذهب إلا إلى تدمير الدولة كما حصل بجلاء في الاتحاد السوفيتي سابقا، ولكنّ هذه الاشتراكيّة ضرورة أحيانا وبنسبة معيّنة في توجّهات الدولة لإحداث نوع من السيادة الوطنية على اقتصادها، خصوصا إذا دقت نواقيس الخطر، وهذا ما حصل اليوم مع دولة بريطانيا التي استخدمت أسلوب (التأميم الاشتراكي) واستولت على شركة الصلب البريطاني (بريتش ستيل) في الشهر الماضي من شركة جينغيه الصينية، خوفا أن تتحول بريطانيا من دولة منتجة للصلب إلى دولة مستوردة، وهذه الخطوة عدها بعض الاقتصاديين الأوروبيين انتكاسة في الرأسمالية الغربية عندما تعجز عن إيجاد حلول اقتصادية فتهرع إلى الحلول الاشتراكية!!

ففي الشهر الماضي استدعت الحكومة أعضاء البرلمان للانعقاد العام بهدف منح الحكومة صلاحيات مباشرة في إدارة مصنع الصلب بالكامل، ومنحها الصلاحيات في طلب المواد الخام من الموردين المحليين، وهذه الخطوة جاءت بعد مخاوف من توجهات الصين عبر شركتها جينغيه الاستثمارية عن التوقف من طلبات شحنات خام الحديد لتشغيل أفران المصنع، وبالتالي حتمية إغلاق المصنع!!

وخاتمة القول.. هل ندم الغرب على انفتاحه على الصين؟ ربما يكون الأمر كذلك، فالصين اليوم تهيمن على نصف إنتاج الصلب العالمي بفضل الرأسمالية، ويبدو أن بريطانيا وهي الحليف الأهم لواشنطن في أوروبا تعاني من نظام الرأسمالية الذي سمح للشركات الصينية بالاستثمار في مواردها الطبيعية، بينما لجأت إلى أساليب التأميم الاشتراكي للحفاظ على اقتصادها الوطني! وهذه من مفارقات التاريخ الحديث!

أخبار ذات صلة

0 تعليق