إخراج الطلاب من "سجن الجوالات" في الاختبارات - الهلال الإخباري

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
إخراج الطلاب من "سجن الجوالات" في الاختبارات - الهلال الإخباري, اليوم الثلاثاء 13 مايو 2025 12:46 صباحاً

تعودنا في مسيرة الدراسة عبر مراحل التعليم المختلفة، رفع منسوب التفكير والابتكار واستحضار المخزون المعرفي خلال أداء الاختبارات، مما يزيد حصيلتنا من المعلومات الإثرائية في التخصصات التي نؤدي هذه الاختبارات في نطاقها.. التي تعدت كونها الإجابة عن أسئلة موجهة إلى كسب العلوم والإلمام بالثقافات المتنوعة.. فهل تعود مثل هذه الطقوس اليوم الذي غلب عليه طابع الحياة الرقمية والتقنية التكنولوجية التي أجهضت النشاط البشري تفكيرا وابتكارا وإبداعا.

ونحن نعيش أجواء أداء الاختبارات.. ذهبت الرهبة حين استلام أوراق الأسئلة.. لأن الذي يفكر ويستنبط الإجابة عن الأسئلة هو جهاز "الجوال" الذي محى تواجد المعلومة في أذهان الطلاب، بل أصبح يشاركك في كل خطوات يومك، وهو عبارة عن جهاز واحد يجمع بين التسلية والقلق النفسي، وبين الحضور والغياب؛ كأنه واحد من أفراد العائلة.

استعرض تجربتي في "سجن الجوال" مع طلاب الإعلام بجامعة الملك فيصل داخل قاعة الامتحان، لا لنمنع استخدامهم للجوال، بل لنلفت انتباه طلابي إلى خطورته باعتباره إحدى أدوات الغش في الاختبارات؛ قلت لطلابي ذات مرة، إذا كانت البدايات محرقة فإن النهايات ستكون مشرقة، فالامتحان لا يبدأ عند فتح الورقة، بل عند إغلاق الهاتف، فما نكسبه من الوقت قليل، لكن ما نكسبه من الوعي كبير. ضع يا بني هاتفك في مكان لا تسمع صوته، وستسمع صوتك الداخلي ليخبرك كيف تذاكر المقررات.

هذا المنظور ليس رأيا شخصيا، وإنما يمثل صدى لتأملات بعض علماء النفس والتربية؛ إذ يرى دانيال جولمان أن التركيز هو الأساس الأول للإنجاز، ومن دونه يبقى الذكاء مشتتتا، والمعرفة غير موظفة، والنية بلا أثر؛ بينما يذهب الفيلسوف الإيطالي فرانكو بيراردي؛ الذي يناقش الهاتف باعتباره آلة استعجال؛ تجعل من التفكير فعلا متقطعا وغير مستقر، وتجعلنا نلهث خلف اللحظة بدل أن نعيشها.

اليوم.. لا نتحدث عن هاتف؛ بل عن كائن يعيش في جيوبنا ويتسلل إلى وعينا.. فعبارة "سجن الجوال" هي استعارة لعودة الإنسان إلى ذاته، لمركزه، لمكان ما بداخله، لا تهتز فيه الأفكار تحت ضوء الشاشة وسرعة الانتقال بين اللقطات، والأمكنة والأزمنة والوجوه.. إن كنا نؤهل طلاب إعلام لسوق العمل متسارع الخطى في ظل خوارزميات الذكاء الاصطناعي، فإن أعظم ما يمكن أن نمنحهم إياه، ليس مهارة المونتاج أو التحليل، بل القدرة على الصمت أمام الضجيج الداخلي والخارجي، على أن يصنعوا المعنى قبل أن ينقلوه لجمهورهم المستمع أو القارئ.

على طلابنا أن يتعلموا أن ما لا يُقال أحيانا أهم مما يُقال، وأن التفكير لا يحتاج إلى اتصال، بل إلى انفصال موقت عن العالم، لكي نسمع العالم بوضوح.. هكذا يتحول سجن الجوال من فعل خارجي، إلى تحوّل داخلي، ومن أداة ضبط وقت إلى أداة تحرير عقل تمنحه حرية التفكير والتركيز واسترجاع المعلومة خلال الاختبارات.

وقد يوافقني معظم الآباء الرأي على سجن الجوال ليروا أبناءهم "الدوافير" وهم يحصدون أعلى الدرجات حينما يفارقون الجوالات.

أخبار ذات صلة

0 تعليق