المدينة الذكية ليست آلة... إنها عقل جماعي - الهلال الإخباري

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
المدينة الذكية ليست آلة... إنها عقل جماعي - الهلال الإخباري, اليوم الاثنين 14 يوليو 2025 12:37 صباحاً

عندما نسمع مصطلح «مدينة ذكية»، يتبادر إلى أذهان الكثيرين صور لأبراج شاهقة، كاميرات تراقب الشوارع، سيارات ذاتية القيادة، وأجهزة استشعار موزعة على كل زاوية. لكن السؤال الجوهري هو: هل الذكاء يكمن في الأدوات، أم في الطريقة التي نفكر ونتصرف بها؟

في العمق، المدينة الذكية ليست آلة تدار بزر، بل هي عقل جماعي ينبض بأفكار الناس، وتفاعلهم، واحتياجاتهم، ومبادراتهم.

إنها نظام حي متعدد الأبعاد، تتشابك فيه التكنولوجيا بالحوكمة، والاقتصاد بالثقافة، والبيئة بالمجتمع.

ليست المدن الذكية نهاية طريق التطور، بل وسيلة ذكية لبناء مدن أكثر إنسانية. الذكاء الحقيقي لا يُقاس بعدد التطبيقات، بل بقدرة المدينة على أن تتعلم من سكانها، وتتكيف معهم، وتشركهم في اتخاذ القرار.

في سنغافورة - إحدى النماذج الرائدة عالميا - لم يبدأ المشروع الذكي بشراء أحدث البرمجيات، بل بإعادة تعريف العلاقة بين المواطن والحكومة عبر مفهوم «المدينة التفاعلية»، حيث تستخدم البيانات لتوجيه السياسات، وليس فقط لتحليل الحاضر.

تخيل أن المدينة ليست مجرد «نظام تشغيل»، بل «وعي حضري مشترك». كل مواطن يضيف لهذا الوعي، وكل خدمة ذكية تنجح حين تُبنى على معرفة السياق، لا فقط على التكرار الآلي.

خذ مثالا بسيطا: نظام إنارة الشوارع الذكي. كثير من المدن تطبقه بتقنية موحدة، لكن في مدينة مثل أمستردام، يتم تعديله حسب حركة السكان، وأوقات المناسبات، وسلوك الحي. هذا ليس مجرد «تشغيل ذكي»... بل تفكير ذكي مبني على المعرفة المحلية.

وهنا يكمن جوهر الفكرة: المدينة الذكية لا تستورد جاهزة. لا تأتي في صندوق، ولا تنسخ من تجارب الآخرين حرفيا.

بل تصاغ بناء على خصوصية الإنسان وبيئته وثقافته وطموحه.

في المملكة العربية السعودية، وبينما تتسارع مشاريع التحول الحضري من الرياض إلى العلا، من نيوم إلى ذا لاين، الفرصة الذهبية ليست فقط في إدخال التقنية، بل في بناء منظومة تشاركية تجعل المواطن شريكا لا متلقيا.

التحول الذكي هو مشروع مجتمعي بامتياز، يتطلب أن نشرك المهندس والمعلم، رجل الأعمال والأم، المخطط الحضري والشاب الذي يعيش في أطراف المدينة. الجميع جزء من هذا «العقل الجماعي» الذي ينتج المدينة الجديدة.

المدينة الذكية ليست مجموعة معدات ولا منصة إدارة.

إنها اتفاق غير مكتوب بين جميع من يعيش فيها، بأن يجعلوا من المكان تجربة أذكى، وأعدل، وأكثر انتماء.

وذلك لا يتحقق إلا حين نعيد تعريف الذكاء على أنه فعل جماعي مستمر، لا قرار فردي عابر.

حينها فقط... نصنع مدينة لا تعمل فقط «بذكاء»، بل تفكر وتعيش بعقلٍ مشترك يخدم الجميع.

أخبار ذات صلة

0 تعليق