نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
ترامب ونوبل للسلام.. مفارقة "السياسة والنار" - الهلال الإخباري, اليوم السبت 21 يونيو 2025 01:46 مساءً
- "السلام عبر فوهة البندقية".. كيف ساهمت أمريكا في إشعال نزاعات الشرق الأوسط؟
- تناول متناقض لترشيح ترامب لجائزة نوبل للسلام في ضوء سياساته المثيرة للجدل خاصةً في الشرق الأوسط
- تحليل سياسات الولايات المتحدة في المنطقة وعلاقتها باندلاع أو استمرار الحروب
لطالما شكّلت التداخلات الأميركية في الشرق الأوسط فصلًا محوريًا من فصول الصراع على النفوذ والجيوسياسة منذ منتصف القرن العشرين، ولكن بُعدها الحقوقي ما زال محطَّ تساؤل حادّ إزاء انعكاساتها على الشعوب ومقدراتها، ومع تصاعد التوترات الأخيرة بين إيران وإسرائيل، لا تزال واشنطن تتعامل كمنصة انطلاقٍ عسكري؛ حيث بلغ عدد القواعد الأميركية الفعلية في المنطقة نحو 19 قاعدة في دول مثل قطر والبحرين والإمارات، إضافةً إلى أكثر من 40.000 جندي جوي وبحري، منتشرين بين المياه الإقليمية وقواعد برية، وكل ذلك ضمن غطاء "ردع" التهديد، فيما تستعد لإنزال ضربات محتملة بما في ذلك بصواريخ Gud-57 القادرة على اختراق المنشآت النووية المُحصّنة.
تعود جذور التدخل الأميركي إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية، حين بدأت واشنطن ترى في المنطقة امتدادًا لمصالحها الحيوية، وخاصةً مع تزايد الاعتماد العالمي على النفط، كان الانقلاب على حكومة محمد مصدق المنتخبة ديمقراطيًا في إيران عام 1953 أولى الإشارات الصارخة لتلك المقاربة الأميركية التي لم تتورع عن دعم أنظمة استبدادية مقابل ضمان المصالح الاقتصادية والاستراتيجية، وتكرر النمط نفسه في العقود التالية؛ حيث لم تتردد الإدارات الأميركية في دعم أنظمة قمعية أو الدخول في تحالفات مشبوهة، ما أدى إلى تآكل الثقة الشعبية بالخطاب الأميركي، حول الديمقراطية وحقوق الإنسان.
بلغ التدخل الأميركي ذروته في بداية القرن الحادي والعشرين، عقب هجمات 11 سبتمبر 2001، حين قادت الولايات المتحدة تحالفات عسكرية لغزو أفغانستان ثم العراق، ورغم التبريرات التي ساقتها الإدارة الأميركية حينها-من تدمير أسلحة دمار شامل مزعومة في العراق إلى القضاء على "طالبان" في أفغانستان- إلا أن الوقائع على الأرض سرعان ما كشفت وجهًا آخر للحرب: ممارسات ترقى إلى انتهاكات للقانون الدولي، من تعذيب معتقلين في أبو غريب وغوانتانامو، إلى التسبب في مقتل مئات الآلاف من المدنيين، وتشريد الملايين، وتفكيك مؤسسات الدولة، ما فتح المجال أمام تنظيمات متطرفة مثل "داعش" و"القاعدة" لتملأ الفراغ الأمني والسياسي.
وإن كان من المهم الاعتراف بأن للمنطقة أيضًا مسؤوليتها في فشل بناء نماذج ديمقراطية مستقرة، إلا أن التدخل الأميركي غالبًا ما ساهم في تعميق أزمات الشرعية والانقسام داخل المجتمعات، كما تجاهلت السياسة الأميركية أصوات الحركات المدنية والحقوقية التي نادت بسيادة القانون والعدالة الاجتماعية، مفضلة التعامل مع نخب سلطوية تضمن لها مصالحها قصيرة الأجل، ولو على حساب حقوق الشعوب.
في هذا السياق، تبرز الحاجة لإعادة النظر في الرواية السائدة حول "التحرير" و"الديمقراطية" الأميركية، ومساءلة السياسات الخارجية التي تمارس تحت غطاء القانون الدولي لكنها تؤدي عمليًا إلى تقويضه؛ فالتاريخ الحديث للتدخل الأميركي في الشرق الأوسط هو أيضًا تاريخ من الانتهاكات المغلّفة بالشعارات، ومن الضروري تحليله من منظور نقدي حقوقي يراعي صوت الضحايا، ويعيد الاعتبار للعدالة الغائبة في كثير من فصول هذا التدخل.
ترامب في الشرق الأوسط.. سلام أم إعادة نفوذ؟
منذ عودته إلى الرئاسة للمرة الثانية، أثار ترامب جدلًا واسعًا حول توجهه في الشرق الأوسط، بين من رآه مبادرًا نحو السلام ومن اتهمه بأنه يمارس سياسة "إعادة توزيع نفوذ" لصالح مصالحه أو مصالح المحور الذي يقوده.
أولًا.. يبرز ما وصفه ترامب خلال جولته الخليجية في مايو 2025 بتبنّي "التجاعيد الدبلوماسية"، بدلًا من الانخراط العسكري المباشر؛ فقد عزز علاقاته مع السعودية، قطر، والإمارات من خلال صفقات اقتصادية ضخمة (صلبها صفقة أسلحة بقيمة 142 مليار دولار، واستثمارات في الطاقة والذكاء الاصطناعي)، وفي الرسالة الاستراتيجية المبطنة، عبّر ترامب عن رفضه لدور "بناء الدولة" الذي عملت عليه الإدارات الأمريكية السابقة، مؤكدًا نهاية "الفوضى المفتعلة" من الغرب، هذا التوجّه الاقتصادي يظهر سعيًا لإحكام النفوذ بطريقة تقليدية: عبر الترسانة والقوة المالية، لا الشعارات الديمقراطية.
في المقابل.. ظل ترامب مرتبطًا بسياسات متناقضة، خصوصًا فيما يتعلّق بإيران؛ فعلى الرغم من استمراره في حملته المعروفة بـ "الضغوط القصوى" التي استهدفت خنق صادرات النفط الإيرانية، إلا أنه امتنع عن ارتكاب ضربات عسكرية حاسمة، وامتنع عن دعم إسرائيل مباشرةً لشن هجوم على المنشآت النووية الإيرانية، مفضّلًا "وقفًا مؤقتًا للتصعيد" في يونيو 2025، هذا الموقف جعل ترامب يميل نحو التحوّل الدبلوماسي مقابل الخيار العسكري، ولكن بتوقيت استراتيجي يخدم موقع الولايات المتحدة، لا بالضرورة بناء ثقة دائمة مع إيران.
أما العلاقة مع إسرائيل فقد شهدت توترًا دقيقًا، رغم دعمه المعتاد لطهران في فمه، فإن ترامب لم يمنع إسرائيل من شن غارات واسعة على المنشآت الإيرانية حتى أمس، لكنه لم يمانع أيضًا تراجع الحكومة عن مساعي السلام، وهو ما فسّر بأنه إعادة رسم خطوط النفوذ بين واشنطن وتل أبيب، ويتضح أنه لم يضبط إيقاع السياسة الإسرائيلية، مما أضعف دوره كوسيط حماية السلام، وورط الولايات المتحدة في حلبة صراعات لا متناهية.
من هنا يبدو أن ترامب يجمع بين عنصرين بارزين: المحورية الاقتصادية كمبدأ أساسي لإعادة النفوذ، مع الدبلوماسية الانتقائية كبديل للانخراط العسكري الشامل، هذان المساران يعكسان نمطًا يُعيد فيه ترامب صياغة النفوذ الأميركي من منظور "الصفقات والمحاور"، وليس القيم والمبادئ؛ فالنهج الاقتصادي المتين سياسيًا يتوازى مع تكتيكات ضغط مالي ضد خصوم مثل إيران، بينما يلجأ في نفس الوقت إلى تقديم مظاهر دبلوماسية لتحسين صورته وعودة مسار الحلول دون نشر عسكري مكثّف.
كيف أعاد ترامب رسم خريطة النفوذ في الشرق الأوسط على حساب الحقوق؟
لنقلْ السفارة الأميركية إلى القدس رغم قَدره الرمزي، أثرٌ بالغ العمق على ميزان القوى في المنطقة، أكثر من أي قيمة إيجابية للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي؛ ففي ما تبيّن من تقارير حقوقية، اعتُبر هذا النقل انتهاكًا واضحًا للقانون الدولي، وتعزيزًا للضغوط الإسرائيلية على الفلسطينيين في القدس، في ظل سياسات هدم المنازل وإلغاء الإقامات وتهميش الوجود الفلسطيني داخل المدينة، القرار لم يُعزز مسار السلام بل زاد التطرّف، ووحد الموقف الفلسطيني وانتفض داخل الهيئات الدولية، ورفضت الأمم المتحدة القرار بغالبية 128 صوتًا.
على خط موازٍ، جاء الاعتراف بالجولان كـ”أرض إسرائيلية” امتدادًا لنفس المنطق، إذ شكّل خروجًا عن قِيم القانون الدولي والمبادئ المعترف بها، بما في ذلك القرار 478 لمجلس الأمن الذي يُدين ضم القدس، الواقع الذي أدى إليه الروح الانتقائية السياسية، يرسّخ ضمًا يعيق الحل السلمي ويُغذّي مشاعر الفلسطينيين وسوريا المعنية، ويزيد من الشعور بالعجز أمام هيمنة الدولة الأكبر.
ومع "صفقة القرن" التي أعلنها البيت الأبيض عام 2020، كان الهدف المعلن إقامة دولتين، لحل الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي. لكن عند التدقيق، تبين أنها تعزز الاستيطان وتُركّز على البنية الاقتصادية للحكم الذاتي الفلسطيني، دون أن تُعالج الحقوق الثابتة أو حق العودة أو القدس، ونفى ترامب السعي إلى بناء دولة فلسطينية ذات سيادة، بل اعتبر أن الصفقة ترتكز على نوع من الحكم الذاتي الاقتصادي، النتيجة؟ احتجاجات فلسطينية مستمرة ووهن واضح للنظام السياسي الفلسطيني، مما أضعف أي أمل في إنهاء الاحتلال.
تنقّلُ المعادلة أكثر جذرية في ملف إيران: الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي (JCPOA) عام 2018 أعاد إيران إلى ركام العقوبات الاقتصادية؛ حيث سجّل الناتج المحلي انخفاضًا في التضخم وتدهورًا لعملتها بنحو 20%، وسقوطًا في واردات الأدوية بنسبة كبيرة، وفق تقارير هيومن رايتس ووتش، رغم وعود ترامب "بصفقة أفضل"، جاءت العقوبات لتصيب المواطن الإيراني الصغير بمرارة، بينما ثبت أن عوامل الضغوط القصوى لم تحقق سوى تعميق الأزمة الإنسانية.
في يناير 2020، صعدت الأزمة حينما أذن ترامب باغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني. الردّ الإيراني كان دقيقًا مركّزًا، وطهران امتنعت عن تصعيد خطير، لكنها أعلنت نهاية حقبة التفاهمات الدبلوماسية المباشرة. ومنذ ذلك الحين، تُدار المواجهة تحت سياق ردع أميركي - إسرائيلي لا دبلوماسي، وكما أكّد بعض المحللين، الغاية لم تكن السلام بل إعادة خريطة النفوذ عبر أدوات أمنية، تحفظ مصالح المحور المتحالف مع واشنطن، ولو كانت على حساب الاستقرار الطويل الأمد.
أخيرًا.. ومع "اتفاقات أبراهام" التي قادها ترامب، تم توقيع تطبيع علني بين إسرائيل والإمارات والبحرين والمغرب، بوساطة أميركية، على الرغم من التقدم التقني والتجاري، فإن كثيرين يشككون ليس في جدوى "السلام"، بل في طبيعته الحقيقية: فهو سلام بلا فلسطينيين، سلام عملي محكوم بتوازنات مع إيران وليس مبدأ شرق أوسط جديد قائم على العدالة. كما يشير بعض التقييمات، هو نمط من "إدارة الصراع السلطوي"، لا رفع لمعاناة الفلسطينيين، ولا يؤسس لحل شامل ما دام أن قضيتهم تظل خارج معادلة الاتفاقات.
ردود الفعل الشعبية في الدول العربية
كان للقرار الأميركي مثلًا نقل السفارة إلى القدس والاعتراف بالجولان وطرح "صفقة القرن"، وما يرافقها من مقترحات، كخطط لإعادة توطين الفلسطينيين في غزة، وقع كبير في الشارع العربي، وأظهرت استطلاعات الرأي في فبراير 2025 أن نحو 82% من المواطنين في مصر والأردن والمغرب يرفضون أي ترتيبات تُغيب الفلسطينيين من الحل، و74% يرفضون الاعتراف الأميركي بالجولان كأرض إسرائيلية.
في دول الخليج، ارتفع النشاط الشعبي المناهض للسياسة الأميركية، حيث شهدت الكويت ولبنان والمغرب مظاهرات تجمعت أمام السفارات الأميركية، رفع خلالها المتظاهرون لافتات "فلسطين عربية" و"لا للغطرسة الأميركية"، كما لاحظت وسائل الإعلام المحلية تغطية مكثفة لمعارضات المجتمعات المدنية، خاصة عبر منصات التواصل التي شهدت هاشتاغ "#سلام_بلا_الحق" المحسوب على الحراك الشبابي.
لماذا ترامب لجائزة نوبل؟
حتى الآن، تم ترشيح الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب لجائزة نوبل للسلام عدة مرات، أبرزها عام 2020؛ حيث قام البرلماني النرويجي كريستيان تيبرينغ جيدي (Christian Tybring-Gjedde)، وهو نائب عن حزب التقدم اليميني، بترشيحه رسميًا، وقد كرر بعض الداعمين في الولايات المتحدة وخارجها دعوات مشابهة في السنوات التالية، مستشهدين بنفس المبررات، بل وجرى تداول اسمه مرة أخرى عام 2025، في ظل حملته الانتخابية الجديدة وخطابه حول السلام من خلال القوة.
المبررات المُقدمة لترشيحه:
- اتفاقات أبراهام (2020):
المبرر الأساسي الذي قدّمه تيبرينغ جيدي كان إشراف ترامب على توقيع اتفاق السلام بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة، والذي تبعه تطبيع العلاقات بين إسرائيل وكل من البحرين، السودان، والمغرب، وقد رأى النائب النرويجي في تلك الاتفاقات "اختراقًا دبلوماسيًا غير مسبوق في الشرق الأوسط" و"بداية لتحول إقليمي نحو الاستقرار"، واصفًا ترامب بأنه "نجح في تحقيق ما فشل فيه رؤساء سابقون". - انسحاب القوات الأميركية من بعض مناطق النزاع:
ضمن خطاب مؤيدي ترشيحه، اعتُبر قرار ترامب تقليص وجود القوات الأميركية في أفغانستان وسوريا بمثابة "خطوات نحو إنهاء الحروب المستمرة"، رغم الانتقادات الواسعة لهذه الانسحابات المفاجئة التي خلفت فراغات أمنية وأزمات إنسانية. - مقاربته "غير التقليدية" للسلام:
يرى أنصاره أن ترامب اتبع أسلوبًا مباشرًا و"غير دبلوماسي تقليدي" أنتج نتائج واقعية، ورغم أن هذه المقاربة قوبلت برفض واسع من خبراء السلام والقانون الدولي، فإن بعض الدوائر اليمينية في أوروبا وأميركا اعتبرتها "فعّالة" وتستحق التقدير. - الضغط على الصين وكوريا الشمالية:
رُوّج كذلك لفكرة أن جهود ترامب للقاء زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، هي خطوات "نحو تهدئة النووي في شرق آسيا"، وهو ما استخدم كجزء من ملف ترشيحه في دورات سابقة. - وساطة الأزمة بين الهند - باكستان:
أوضحت باكستان أن تدخّل ترامب الدبلوماسي كان حاسمًا لـ "وقف نزيف ممكن نووي"، معتبرًا إياه دبلوماسيًا حاسمًا، على الرغم من أن وزير الخارجية الهندي، قال إن رئيس الوزراء، ناريندرا مودي، أبلغ الرئيس الأميركي دونالد ترامب مساء أمس الثلاثاء أن وقف إطلاق النار بين الهند وباكستان في مايو الماضي، تحقق من خلال محادثات بين الجيشين وليس بوساطة أميركية. - وساطات إضافية:
رُوّج أيضًا لتورّطه في تهدئة نزاعات معقدة، مثل الصراع بين رواندا وجمهورية الكونغو، والعلاقة بين صربيا وكوسوفو، بالإضافة إلى محاولة تحريك ملف كوريا الشمالية، ما ساهم في إبراز ملفاته كوسيط عالمي.
ورغم هذه الترشيحات، فإن المؤسسات الحقوقية، وعددًا من الحاصلين على نوبل أنفسهم، أعربوا عن قلقهم من استخدام الجائزة كأداة ترويج سياسي؛ فقد كتبت صحيفة The New York Times عام 2020 أن ترشيح ترامب لنوبل ليس اعترافًا بالسلام، بل بتسييس الجائزة، بينما علّقت Le Monde الفرنسية بأن دبلوماسية الصفقات لا تعني سلامًا طويل الأمد، بل ترتيبات هشة.
بالتالي، فإن من رشّح ترامب فعل ذلك من منطلقات سياسية متقاطعة مع رؤى يمينية محافظة، لكن المضمون الحقوقي والإنساني لمفاهيم السلام ظل غائبًا عن مبررات الترشيح، ما يفتح بابًا للنقاش مجددًا حول جوهر "جائزة نوبل" ومتى تستحق أن تُمنح.
رغم كل ذلك، هل ينال ترامب جائزة نوبل للسلام؟
يبدو أن ترشيح الرئيس الأميركي دونالد ترامب لجائزة نوبل للسلام عام 2026، قد أعاد طرح تساؤلات جادّة حول معايير الجائزة ومفهوم "السلام" في ظلّ التوترات الدولية والإقليمية التي تشهدها الساحة العالمية حتى يونيو 2025؛ فبعيدًا عن الصورة التقليدية لمستلمي نوبل كرموز للعدالة والتحرر، يبرز اسم ترامب في مشهد مُحمّل بالصفقات السياسية والاصطفافات الاستراتيجية، لا الحلول الحقوقية المتجذّرة.
في 21 يونيو 2025، أعلنت باكستان رسميًا عبر قائد أركان جيشها الفريق أول عاصم منير، تقديم ترشيحٍ للرئيس ترامب لنيل جائزة نوبل للسلام، استنادًا إلى دوره “الحاسم” في وقف إطلاق النار بين باكستان والهند، بعد تصعيد عسكري بالغ الخطورة في مايو من العام ذاته، كاد أن يتطوّر إلى مواجهة نووية مباشرة، وقد وصف البيان الصادر عن المؤسسة العسكرية الباكستانية الوساطة التي قام بها ترامب بأنها "منعطف تاريخي أنقذ جنوب آسيا من دوامة دماء"، مشيرًا إلى أن تدخله الشخصي لدى نيودلهي وإسلام آباد أفضى إلى تهدئة فورية أوقفت الاشتباكات خلال 96 ساعة فقط.
اللافت أن هذا الترشيح لم يصدر عن جهة حقوقية أو مؤسسة مدنية مستقلة، بل عن قيادة عسكرية تُعرف بصلاتها الوثيقة بالسلطة التنفيذية في باكستان، وهو ما يثير جدلًا إضافيًا حول الطابع الرمزي والأخلاقي للجائزة حين يرتبط ترشيحها بملفات أمنية محضة، لا بمبادرات سلام دائمة أو جهود مصالحة عميقة.
من جهة أخرى، أعلن النائب الأميركي داريل إيسا، في مارس 2025، أنه قد رشّح ترامب كذلك، مستندًا إلى ما وصفه بـ "إنجازات الرئيس في إحلال السلام بالشرق الأوسط"، في إشارة مباشرة إلى اتفاقات أبراهام، التي بدأت في 2020 بتطبيع العلاقات بين إسرائيل من جهة، وكل من الإمارات والبحرين والمغرب والسودان من جهة أخرى، اعتبر إيسا أن هذه الاتفاقات "غيّرت قواعد اللعبة في المنطقة"، وأن ترامب "استحق الجائزة حين تمكن من جمع خصوم إقليميين على طاولة المصالح المشتركة".
لكنّ ما يعتبره البعض "سلامًا واقعيًا"، ترى فيه منظمات حقوقية دولية مجرد إعادة تموضع للقوة الإقليمية على حساب الشعوب، وتحديدًا الشعب الفلسطيني، الذي بقي غائبًا عن كل مراحل التفاوض في هذه الاتفاقات، بينما استمرت الانتهاكات على الأرض من استيطان وتهجير في الضفة الغربية والقدس، وقد وصفت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقرير لها في مايو 2025 اتفاقات أبراهام بأنها "سلام بلا عدالة"، مشيرة إلى أنها "ترتيب سياسي يُرسخ الاحتلال أكثر مما ينهيه".
أما صحيفة الغارديان البريطانية، فقد تساءلت في افتتاحيتها بتاريخ 20 يونيو 2025: "هل تُمنح نوبل لدبلوماسية الصفقات بينما يزداد عدد القتلى في غزة وسوريا واليمن بغطاء دبلوماسي أميركي؟"، في المقابل، ذهبت واشنطن بوست إلى اعتبار ترشيح ترامب صفعة للمفاهيم التقليدية للسلام، وتحوّلًا للجائزة نحو منطق التأثير لا القيمة، خصوصًا مع إعادة إحياء سجله في الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران واغتيال قاسم سليماني.
إن وضع ترامب اليوم على قوائم الترشيح لنوبل، رغم تاريخه في التصعيد، وإعطاء الشرعية لممارسات استيطانية وعمليات قتل خارج إطار القضاء، يعكس تحوّلًا جوهريًا في فهم "السلام" داخل السياق السياسي الدولي، لم يعد المطلوب إنجاز سلام شامل أو معالجة جذور النزاعات، بل يكفي أن تملك النفوذ، وأن توقف الحرب مؤقتًا، أو توقع اتفاقًا دون التزامات أخلاقية، كي يُنظر إليك كـ "صانع سلام".
ومع ازدياد الاعتماد على أدوات الضغط والصفقات في المنطقة، دون عدالة انتقالية أو مساءلة، يبقى السؤال: هل باتت جائزة نوبل نفسها بحاجة إلى مساءلة؟
الانتقادات الدولية والمحلية لترشيح ترامب للعودة للرئاسة
تعليقات منظمات حقوقية:
أصدرت هيومن رايتس ووتش ومراصد حقوقية أميركية وأوروبية تقييمات حادة ضد ترشيح ترامب، مشيرة إلى سجلّه في قمع الحريات. أثار أمس النائب العام السابق الحوثيري مذكرة من منظمة العفو الدولية تحذيرًا من "خطر كارثي" في حال عودته للحكم، مستندة إلى سياسات 2020–2024 الداعمة لانتهاكات المنظومات الأمنية في الشرق الأوسط، وقطع الدعم عن بناء مؤسسات ديمقراطية.
مواقف صحف أميركية وأوروبية:
- صحيفة الواشنطن بوست وصفت ترامب بأنه "أكبر تهديد لسياسة الشرق الأوسط منذ جورج بوش"، مشيرة إلى خطاب حملة يحرض على تقييد الحريات ويمأثر على علاقتها مع الحلفاء أكثر من مشاركته في عملية السلام.
- صحيفة الفاينانشال تايمز أشارت في افتتاحيتها إلى أن ترشيحه يشير إلى "عودة للفترة الوحشية للتعامل بالصفقات والقوة"، ونبهت إلى أن عبدالله السيسي وصل إلى حد رفض زيارة واشنطن ردًا على تصريحات ترامب حول غزة.
- الغارديان البريطانية أكدت بأن خططه في غزة "ستؤدي إلى انفجار في المنطقة"، محذّرة من "نشوب حرب دون غطاء قانوني"، في إشارة إلى حكم الحروب التي قد تنشب بناءً على دعاوى ترامب لوقف إيران.
كما يرى مراقبون أن هذه الانتقادات تركز على أن عودة ترامب سترفع وتائر التوتر في المنطقة، وستقوض أي أفق دبلوماسي حقيقي على القلب السياسي العربي.
في ضوء ما سبق، تطرح السياسات الأميركية، لا سيما في عهد دونالد ترامب، تساؤلات جوهرية حول المعايير الأخلاقية والسياسية لمفهوم "السلام" في العالم المعاصر، من نقل السفارة إلى القدس، إلى اغتيال قاسم سليماني، إلى فرض عقوبات اقتصادية خانقة على الشعوب، ثم هندسة ما يُعرف باتفاقات "أبراهام" دون وجود الفلسطينيين على الطاولة، بدا "السلام" في الخطاب الأميركي أقرب إلى ترتيب جيوسياسي يُنتج هدوءًا عسكريًا لصالح محور على حساب آخر، لا اتفاقًا شاملًا يُنهي الظلم ويضمن العدالة والكرامة المتساوية.
وحين يطفو اسم ترامب ضمن المرشحين لجائزة نوبل للسلام، كما حدث في مناسبات سابقة ويُتداول مجددًا في بعض الأوساط المؤيدة له، تزداد حدة هذا التناقض: فهل السلام مجرّد وقف مؤقت للرصاص؟ وهل يمكن فصل السلام عن حقوق الإنسان؟ عن حق العودة؟ عن حرية التنقل؟ عن المساواة السياسية بين الشعوب؟
جائزة نوبل للسلام، التي مُنحت في الماضي لرموز مثل نيلسون مانديلا ومارتن لوثر كينغ، استمدت رمزيتها من اتساقها مع قيم العدالة والتحرر والمصالحة الشاملة، وإذا أصبحت تُمنح أو يُناقش منحها لأشخاص يمارسون سياسات إقصاء وتفكيك وتجزئة، فربما حان الوقت لإعادة تعريف الجائزة نفسها: هل ما تزال تعكس فعلًا مفهوم "السلام" كما ينشده الضحايا، لا كما تُصوّره القوى الكبرى؟
الجواب لا يكمن فقط في نصوص الترشيحات، بل في ضمائر من يشهدون الواقع: السلام الحقيقي لا يُبنى على أنقاض الشعوب ولا يُؤسس بموازين القوة فقط، بل هو مشروع عدالة دائمة، وفي هذا الإطار، لا يبدو أن التجربة الترامبية، بكل حساباتها البراغماتية وصفقاتها، تُجسّد السلام بقدر ما تُعيد تدوير التوتر، ولكن بلغة أكثر "تسويقية".
أخبار متعلقة :