نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الأزمة المقبلة.. كيف نفكر في المستقبل؟ - الهلال الإخباري, اليوم السبت 7 يونيو 2025 11:03 مساءً
في عالم تتقاطع فيه التحوّلات المناخية، والأزمات الاقتصادية، والهواجس الأمنية، تجاوزت الأزمة كونها حادثاً عابراً، إلى حالة مستمرة من الترقب والقلق. تتزاحم التحذيرات في الخطابات الإعلامية والسياسية، لكن ما الذي يعكس فعلاً ما يشعر به الناس؟ وما المسارات التي تأخذها هذه المخاوف حين تتحول إلى مواقف أو سياسات أو خرافات جماعية؟
في كتابه الجديد «الأزمة المقبلة: كيف نفكر بالمستقبل»، الصادر عن دار «فيرسو» البريطانية في يونيو/ حزيران 2025، يسبر الباحث البريطاني وأستاذ الجغرافيا في جامعة أكسفورد داني دورلينغ عمق الخوف الإنساني كما تكشفه استطلاعات الرأي العالمية. يعرض الكتاب تفكيكاً دقيقاً لكيفية تفكير البشر بالمستقبل، ومن ثمّ، كيف تبنى السياسات الكبرى أحياناً على تصورات لا علاقة لها بالواقع.
يعتمد دورلينغ على بيانات حديثة من استطلاعـــات رأي من مختلف أنحاء العالم، ليرسم خريطة القلق الجمعي التي تختلف كثيراً عن سرديات الحكومات ووسائل الإعلام. فالخوف من غلاء المعيشة، والهجــــرة، وتراجع الرعاية الصحية، وتغير المناخ، والحروب، لا يرتبط فقط بحدوث هذه الظواهر، بل بطريقة إدراكنا لها، واستخدامها سياسياً لتوجـــيه الرأي العـــام أو شرعنة السياسات.
في هذا السياق، يربط الكتاب بين الخطاب الإعلامي والسياسات الاقتصادية، وبين البيانات الرسمية ومواقف الناس اليومية، ليكشف الفجوة المتزايدة بين من يصنع القرار ومن يعيش تبعاته. يرى المؤلف أن ما يُعرّف اليوم بـ«الأزمات» ليس دائماً ما يؤثر فعلاً في حياة الناس، ويسلط الضوء على قضايا مثل اللامساواة الاقتصادية في تفاصيل الحياة اليومية، مقابل الخوف من أوبئة أو كوارث طبيعية نادرة الحدوث. وفي تناوله لأزمة المناخ، ينتقد النظرة النخبوية التي تفشل في إشراك الناس فعلياً في الحلول، وتخاطبهم بلغة علمية معزولة عن تجربتهم اليومية.
عصر الأزمات المتعددة
يقول المؤلف: «ليس من الغريب أن نشعر أننا نعيش في زمن الأزمات، حيث الشدائد تشتد والمخاطر تتعاظم. لكن هذا الشعور، في حد ذاته، قد يكون ترفاً لا يُتاح للجميع. ففقط من لا يعيشون في دوامة مستمرة من المصاعب اليومية يملكون رفاهية التفكير في «الأزمة الكبرى». أن يكون لديك وقت للتساؤل عمّا ستكون عليه الأزمة التالية، هو في الغالب امتياز لمن لا يرزحون يومياً تحت وطأة الخطر المباشر أو المعاناة العميقة»، ويضيف: «تأمّلوا عدد المرات التي ترد فيها كلمة «أزمة» في المطبوعات الناطقة بالإنجليزية. خلال القرن التاسع عشر وحتى أوائل ثلاثينيات القرن العشرين، كان استخدامها نادراً، لكن منذ منتصف الثلاثينيات بدأ استخدامها يزداد بشكل ملحوظ. ورغم أن هذا الارتفاع خفّ في أواخر الأربعينيات، فإنه لم يلبث أن عاد بقوة في الستينيات، وتسارع منذ ذلك الحين. وقد يقال اليوم: إن «النار مشتعلة» في كل مكان، لكن هذا لا يعني بالضرورة أن عدد الحرائق ازداد، بل ربما فقط ازداد الوقت المتاح للناس ليشعروا بالقلق. ومع أن عدد الأزمات التي يُشار إليها قد ارتفع في العقود الأخيرة، فإن ذلك لا يعني بالضرورة أننا دخلنا عصراً من الأزمات المتداخلة والمتوالية. وربما، على نحو مفارِق، أصبحنا نتحدث عن الأزمات أكثر من أي وقت مضى، وربما نُفرط في تسميتها كذلك».
ويشير المؤلف إلى أنه: «منذ أواخر الستينيات، لم يشهد الإحساس الجماعي بالأزمة أي تراجع، على الأقل من حيث تكرار استخدام الكلمة في وسائل الإعلام المطبوعة. ففي عام 1960، استُخدمت كلمة «أزمة» ضعف عدد المرات التي وردت فيها عام 1900، وفي عام 1980 أصبحت تُستخدم أربعة أضعاف. فهل يعني تزايد تكرار ظهور كلمة «أزمة» مجرد ميل إلى المبالغة أو التهويل؟ هل بدأت موجة جديدة من الكتّاب في الستينيات باستخدام المصطلح لجذب انتباه القرّاء؟ هل كُتبت المزيد من الكتب من قِبل أشخاص يملكون رفاهية التأمل في قضايا أوسع؟ لقد أصبح عدد الكتّاب أكبر، وعدد القرّاء القادرين على شراء الكتب والاطلاع أكثر من أي وقت مضى. ربما كانت هذه الظاهرة مجرد نمط اجتماعي غذّى الخطاب».
ويوضح أيضاً: «لكن وجهة نظري هي أننا، سواء كانت الأزمات حقيقية أم متخيَّلة، نعيش في عصر أزمات منذ وقت طويل. وعند العودة إلى الحاضر، ما هي الأزمات الرئيسية في عصرنا؟ وما الذي يشغل الناس حول العالم؟ إحدى طرق الإجابة عن هذا السؤال ليست في التركيز على ما يُكتب، لأن الكتّاب، في الغالب، مدفوعون جزئياً على الأقل بجذب الانتباه، بل في التركيز على ما يعبّر عنه الناس أنفسهم من مخاوف، ومن ثمّ التعمّق في كل مسألة منها على حدة. قد تتساءل: ولماذا يهمنا هذا؟ ولماذا يجب أن نهتم بآراء الآخرين أصلاً؟ لماذا ينبغي لنا أن نهتم بما يفكر فيه بقية سكان العالم، خصوصاً إذا كانوا لا يفكرون بنفس طريقتنا؟ لا أدّعي أن من السهل التعامل مع الأمور بهذه الطريقة، أي محاولة أخذ مخاوف الآخرين البعيدين بجدية، فمن الأسهل بكثير أن نرفضها من أن نعترف بأننا نعيش في وضع مميز. قد تُشكّك في نتائج الاستطلاعات التي أعتمد عليها في هذا الكتاب. قد تظن أن عامة الناس يتحدثون غالباً من أضعف نقاطهم. لكن، قبل أن ترفض وجهات نظر الآخرين حول ما يهمّهم لأنه يبدو أقل أهمية مما يهمّك، أليس من باب الفضول أن تعرف المزيد عن هذا؟».
السياسة والمجهول
يبدأ الكتاب بفصل «الأزمة»، حيث يقدّم المؤلف تمهيداً عامّاً لفكرته الأساسية حول الفرق بين الأزمات كما تُصوَّر في الخطاب الإعلامي والسياسي، وكما يشعر بها الناس في حياتهم اليومية. يتناول هذا الفصل تصوّرات الخوف الجماعي، ويؤسس لفهم منهجي يقوم على تحليل استطلاعات الرأي لا على النظريات النخبوية. يتعمق الكاتب في الفصل الثاني «تكاليف المعيشة»، في تحليل التفاوت الطبقي من خلال أزمة الغلاء، مبيّناً كيف تتحوّل الأسعار إلى مؤشّر على غياب العدالة الاجتماعية. أما الفصل الثالث «تقاسم العمل»، فيتناول العلاقة بين العمل، البطالة، والهجرة، مشيراً إلى أن الخطاب السياسي يُعيد تدوير هذه العلاقة لإثارة مشاعر القلق بدلاً من تقديم حلول اقتصادية عادلة.
ثم يأتي الفصل الرابع «الحرب والوطن»، ليركز على كيف تؤثر النزاعات الدولية في الشعور بالاستقرار المحلي، حتى في البلدان البعيدة عن خطوط النار. ويحلل الفصل الخامس «من المهد إلى اللحد»، منظومات الرعاية من الطفولة حتى الشيخوخة، كاشفاً عن تآكل العقد الاجتماعي في ظل تراجع الخدمات العامة. ويظهر الفصل السادس «أزمة المناخ» كيف تُعالج التغيرات المناخية من منظور تقني من دون الالتفات إلى المخاوف الشعبية، بينما يختم الفصول التحليلية بفصل «التنوع البيولوجي»، الذي يتناول أزمة الطبيعة وفقدان الأنواع كمرآة لاختلال علاقتنا بالعالم الحيوي.
ويشـــير المؤلف في الخاتمة إلى كيف أنه بدءاً من الأوبئة، إلى الحروب، إلى التكنولوجيا الخارجة عن السيطرة، يتم تضخيم هذه السيناريوهات أحياناً بهدف خلق مناخ من القلق الجماعي، يسمح بتمرير قرارات أو تغييرات سياسية كبرى من دون نقـــاش ديمقراطـــي كافٍ. ويقترح سلسلة من الإجراءات التي يمكن أن تخفف من وطأة هذا الخـــوف العام، تبدأ من الإعلام والتعليم، وتصل إلى طرق اتخاذ القرار التي يجب أن تُبنى على فهم نفســــي واجتماعي، لا فقط على تقارير وأمور تقنية.
أخبار متعلقة :