نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
مؤمن الجندي يكتب: حسين أبو كف - الهلال الإخباري, اليوم الأحد 15 يونيو 2025 01:19 مساءً
في لحظات بعينها، لا تكون المعركة بينك وبين خصمٍ أمامك، بل بينك وبين نفسك بين ما تعرف أنه صواب، وما تخشاه أن يكون خطأ، بين ما تريده فعلًا، وما تخشى عواقبه.
هي لحظات قصيرة لا تُقاس بالثواني، بل تُقاس بما تتركه من أثر.. لحظات يصمت فيها العقل، ويعلو فيها صوت القلب، أو العكس.
في كرة القدم، كما في الحياة، لا يُخلّد المترددون، ولا تُكتب الأساطير على أبواب الانتظار.. من يملك الفرصة ولا يلتقطها، كمن أغمض عينيه أمام الشمس ثم تساءل: لماذا لم يرَ النور؟
وهكذا، وقف (حسين أبو كف) عفوًا حسين الشحات لاعب الأهلي! عند مفترق اللحظة واختار الصمت في وقت كان يحتاج إلى صيحة هدف.
لقد تذكرت ما فعله الفنان نور الشريف في فيلم "شحاتة أبو كف"، حين دخل إلى الملعب متعثّر الخطى، وكأن العشب غريب عليه، وكأن الكرة كائن هلامي لا يُمسَك ولا يُفهَم، وكأن عينيه لا ترى إلا ظلالًا تتراقص… لا فارق عنده بين المرمى والمدرجات، ولا بين الكرة والهواء.
كأن قدميه تسيران على أرضٍ لا يحبّها، وعيناه تبحثان عن شباكٍ ليست في الملعب، وروحه تلعب مباراةً في عالمٍ آخر لا يشبه كرة القدم.
هكذا شعرتُ وأنا أشاهد حسين أبو كف في آخر مباراة له، وكأن الموهبة هجرت جسده، أو كأن قلبه لم يعد ينبض باسمها.
مؤمن الجندي يكتب: حسين أبو كف
ولعل ما فعله الشحات في آخر ثانية من المباراة الافتتاحية لكأس العالم للأندية بأمريكا 2025، كان غريبًا عليه وعلينا… هجمة مرتدة، كأنها مكتوبة في سيناريو درامي، الكرة بين أقدام لاعبي الأهلي تنساب كالماء، تصل إلى حسين أمام منطقة الجزاء، وبلمسة واحدة كان بإمكانه أن يدوّن اسمه في التاريخ… لكنه قرر ألا يفعل شيئًا.
توقف، كأن قدميه أثقلتهما الذكريات، أو كأن الزمن توقف عند لحظة تردد.. نظر حوله، ثم قرر أن يترك الكرة للخصم! لحظة خرس فيها المعلّق، وصمت فيها المدرج، وابتلعت فيها الكرة كل ما تبقّى من حلم الهدف.
كرة القدم ليست مجرد مهارة، بل لحظة قرار، واختبار شجاعة، واختزال لكل سنوات التدريب في ثانية.. نعم، تعتمد على الموهبة، والتوفيق، وعدم الطمع… لكن حسين، في تلك اللحظة، ضرب بكل هذا عرض الحائط، وكأنه انفصل عن نفسه، أو خانته نفسه.
ربما كان يبحث عن تمريرة أجمل… أو خاف أن يُتهم بالأنانية.. أو لم يرَ المرمى أصلًا. وربما لم يعد يرى نفسه لاعبًا قادرًا على الحسم. اللاعب الذي كان يومًا ما أحد صُنّاع المجد، بات مترددًا، قلقًا، وكأن بينه وبين الكرة خصام لا يُحل.
هذه اللحظة كشفت ما هو أعمق من خطأ في الملعب.. كشفت ارتباكًا داخليًا، أزمة ثقة، أو لحظة صراع بين صوت العقل وصوت الغريزة.. لاعب كبير لا يخطئ في التمرير، لكنه قد يخطئ في فهم نفسه.
في كرة القدم، لا يُغفر التردد أمام المرمى، ولا تُمنح الفرص مرتين.. والجماهير – بطبعها العاطفي – لا تَفهم أن أقدام اللاعبين لا تتحرك دائمًا بأوامر المدرب، بل أحيانًا بأوامر القلب.
ربما سيبقى هذا الموقف في سجل الشحات مع جماهير الأهلي وربما، لو قرأ ما كُتب عنه في اليوم التالي، سيتمنى أن يعود بالزمن ليصوّب الكرة لا القرار.. لكن الحقيقة الأهم، أن كرة القدم، كما الحياة، لا تكتب المجد إلا لمن امتلك الجرأة على الحسم.
في النهاية، ليست كل الهزائم في الملاعب، بعضها يسكن في الداخل.. التردد، الخوف، انتزاع الثقة، كلّها خصوم لا تُرى، لكنها قادرة على إسقاط أعظم الموهوبين، وفي الحياة، كما في كرة القدم، القرار الحاسم في لحظة واحدة، قد يغيّر كل شيء.
0 تعليق