عالم ما بعد الهيمنة - الهلال الإخباري

الخليج 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
عالم ما بعد الهيمنة - الهلال الإخباري, اليوم السبت 17 مايو 2025 11:39 مساءً

تشهد العلاقات الدولية اليوم تحولات عميقة تطال توازنات القوى والأسس التي يقوم عليها النظام العالمي. ويتجاوز النقاش قضية من يهيمن إلى كيفية إدارة عالم متعدد الأطراف والتجارب. في هذا السياق، تبرز الحاجة إلى تصور جديد للتعاون الدولي، يعترف بتعدد مصادر الشرعية ويُعيد الاعتبار للمساهمات التي غيّبتها المركزية الغربية.
يقدّم البروفسور أميتاف أتشاريا في كتابه الجديد «النظام العالمي الماضي والمقبل: لماذا ستنجو الحضارة العالمية من تراجع الغرب»، أطروحة تستند إلى مسح تاريخي طويل يمتد لخمسة آلاف عام، مفادها بأن النظام العالمي ليس اختراعاً غربياً، وأن تراجع الغرب لا يعني بالضرورة انهياراً للنظام الدولي أو دخول العالم في حالة من الفوضى.
ينطلق المؤلف من ملاحظة الواقع السياسي المتأزم في العالم الغربي، بما في ذلك الاستقطاب الداخلي، وتصاعد النفوذ الصيني، وتحديات النظام الليبرالي الدولي. لكنه يعارض التفسير القائل إن هذا التراجع سيقود إلى فراغ استراتيجي أو انهيار في التعاون بين الدول. بدلاً من ذلك، يرى أتشاريا أن النظام العالمي متعدد الأصول والتجارب، وأن مفاهيم مثل التعايش، والاعتماد الاقتصادي المتبادل، والقواعد المشتركة، تطورت في حضارات غير غربية مثل سومر والهند واليونان والممالك الإسلامية والإمبراطوريات الأوراسية، قبل صعود الغرب بزمن طويل.

تفكيك سردية الهيمنة


يركز الكتاب على التاريخ، لكنه يحلل الحاضر ويقترح ملامح مستقبل ممكن. من وجهة نظر أتشاريا، فإن تراجع الهيمنة الغربية قد يفتح الباب أمام نظام عالمي أكثر توازناً وشمولاً، يسمح لبقية الدول، خاصة من العالم غير الغربي، بأن تؤدي دوراً أكبر في صياغة القواعد والمؤسسات الدولية. يقول المؤلف: «تتزايد الأصوات في الغرب، من عناوين الصحف إلى المراثي، حول نهاية النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، أكثر من أي وقت مضى. وتصدر هذه الأصوات عن أكاديميين، ومعاهد سياسات، وصحفيين، ومعلقين، وجميعها تنبع من قناعتين: الأولى أن النظام العالمي الحالي، الذي تقوده الولايات المتحدة والغرب، كان في المجمل أمراً جيداً، إذ حال دون اندلاع حروب كبرى، وسمح بالتجارة الدولية، والنمو الاقتصادي، وأوجد نظاماً دولياً مستقراً ومزدهراً بشكل ملحوظ. أما القناعة الثانية فهي أن صعود الأمم غير الغربية وظهور بديل عن النظام المألوف الذي تقوده أمريكا سيكون أمراً مخيفاً، لا يمكن التنبؤ به، وغالباً ما يُعدّ تحولاً نحو الأسوأ».
في هذا الكتاب، يطرح المؤلف رأياً مغايراً للرأي السائد بين النخب، مفاده بأن ذلك لا يجب أن يكون أمراً سيئاً، خاصة على المدى الطويل. وليس ذلك لأن مخاوف الغرب من صعود قوى غير غربية، مثل الصين وروسيا، مبالغ فيها دائماً، على الرغم من أنها كذلك أحياناً، بسبب فقدان النفوذ والمكانة، بل لأن الهيمنة الغربية نفسها أسهمت في الكثير من مظاهر عدم الاستقرار، والظلم، والاضطراب، التي قد تُخفف بانحسار تلك الهيمنة. والأهم من ذلك، أن قروناً من السيطرة أدت إلى نوع من الغطرسة والجهل لدى الغرب تجاه بقية العالم، ما جعله يتغاضى عن أفكار ومساهمات حضارات أخرى في ترسيخ الاستقرار وتحقيق التقدم عبر التاريخ.
يوضح المؤلف: «لقد نسينا أن النظام العالمي، أي الهيكل السياسي الذي يُمكّن من التعاون والسلام بين الأمم، كان موجوداً قبل صعود الغرب، وأن العديد من الأفكار التي نراها اليوم غربية هي في الواقع ذات أصول في حضارات أخرى. الآليات والقيم التي تشكل جوهر النظام العالمي مثل الدبلوماسية، والترابط الاقتصادي، وحرية الملاحة، ومبادئ حماية المدنيين في الحرب والسلام، والحفاظ على البيئة، والتعاون بين الشعوب ظهرت عبر آلاف السنين في مناطق متعددة حول العالم. بينما قد تكون أوروبا والغرب قد تصدّرا المشهد في مجالات مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون، فإن الحضارات غير الغربية قدمت أيضاً آليات للسلام والتعاون والأخلاقيات، بل إن كثيراً من هذه الأفكار ظهرت قبل صعود الغرب.
وحتى في ما يتعلق بالديمقراطية وحقوق الإنسان، لا يمكن للغرب أن يدّعي امتلاك الحق الحصري فيها. فهذه المبادئ لها سوابق في مجتمعات أخرى على سبيل المثال، في الجمهوريات القديمة والمجالس السياسية التي سمحت بمشاركة واسعة في الحكم، وفي الأنظمة التي حظرت العقاب القاسي وغير العادل. علاوة على ذلك، أدى العديد من الدول غير الغربية، بعد تحررها من الحكم الاستعماري الغربي، دوراً مهماً في تطوير مبادئ حقوق الإنسان من خلال مؤسسات متعددة الأطراف مثل الأمم المتحدة، في حين دافعت دول أخرى كالهند وبعض دول أمريكا اللاتينية عن الحكم الديمقراطي على الرغم من التحديات والانتكاسات.
وبالمثل، فإن النظام القائم على القواعد ليس أمريكياً أو غربياً كما يروّج بعض المعلّقين، فقد وُجدت أنظمة قائمة على القواعد في الماضي، والنظام الحالي هو في كثير من جوانبه تطوير لمؤسسات مماثلة ظهرت في مختلف أنحاء العالم. وربما قام الغرب بتطويرها بدرجة أكبر، لكنه لم يخترعها». نظام عالمي جديد
تكمن القيمة المضافة لهذا الكتاب الصادر حديثاً عن دار «بيسيك بوكس» ضمن 464 صفحة باللغة الإنجليزية، في رفضه للقراءات التشاؤمية التي ترى أن العالم لا يمكنه الاستمرار من دون قيادة غربية. كما يدعو المؤلف الغرب إلى مراجعة موقعه ودوره، والعمل بالتعاون مع القوى الصاعدة بدلاً من مواجهتها.
يتناول الفصل الأول، بعنوان «الأسس الأولى»، البدايات المبكرة للنظام العالمي من خلال استعراض نظم الحكم والتعاون التي نشأت في حضارات قديمة مثل سومر والهند ومصر والصين. أما الفصل الثاني، «الأساطير اليونانية والقوة الفارسية»، فينتقل إلى تحليل العلاقة المتوترة والرمزية بين اليونان القديمة والإمبراطورية الفارسية، مسلطاً الضوء على دور الأساطير في تشكيل وعي الغرب بذاته مقابل «الآخر».
في الفصل الثالث، «الفتح والرحمة»، يناقش المؤلف كيف أدت الديانات الكبرى، مثل البوذية والإسلام، دوراً في توسيع النظام العالمي عبر نشر قيم التعاون والعدالة. ثم يأتي الفصل الرابع، «طريق السماء»، ليسلط الضوء على الفكر الكونفوشيوسي والداوي في الصين، وكيف أسهم في صياغة نظام إقليمي قائم على الانسجام والتراتبية الأخلاقية. ينتقل الفصل الخامس، «غضب روما»، إلى دراسة إرث الإمبراطورية الرومانية في تشكيل القانون والعلاقات الدولية، مع التركيز على عنفها المنهجي. وفي الفصل السادس، «تجديد العالم»، يستعرض الكاتب مساهمات الممالك الإسلامية والبيزنطية والمغولية في تجديد المعرفة ونقلها، لا سيما في العصور الوسطى.
أما الفصل السابع، «موصِلو العالم»، فيبرز الدور المحوري لشبكات التجارة القديمة، مثل طريق الحرير والمحيط الهندي، في ربط الحضارات من دون الحاجة إلى هيمنة مركزية. ثم ينتقل إلى الفصل الثامن، «صعود الغرب»، حيث يوضح كيف تحوّل النظام العالمي مع بدايات الهيمنة الأوروبية في العصر الحديث، عبر الاستعمار والثورة الصناعية. في الفصل التاسع، «العالم المفقود»، يناقش الكاتب النماذج الحضارية التي أُقصيت أو دُمرت بفعل صعود الغرب. أما الفصل العاشر، «إفريقيا المقطوعة»، فيتناول آثار الاستعمار على القارة الإفريقية ومسارات تطورها السياسي. ويتناول الفصل الحادي عشر، «ازدواجية المعايير الأوروبية»، مفارقة التنوير الذي روّج للمساواة بينما دعم سياسات استعمارية وتمييزية. في الفصل الثاني عشر، «المدينة على التل»، يناقش دور الولايات المتحدة بصفتها قوة عالمية تحمل خطاباً أخلاقياً وتدخلياً في آن واحد. أما الفصل الثالث عشر، «عودة الآخر»، فيتتبع صعود قوى غير غربية مثل الصين والهند والبرازيل، وكيف تعيد هذه الدول رسم ملامح النظام العالمي. ويختتم الكتاب بالفصل الرابع عشر، «النظام العالمي الماضي والمقبل»، مؤكداً أن تراجع الغرب لا يعني نهاية النظام العالمي، بل يمثل فرصة لبناء نظام أكثر شمولاً وتعددية، تشارك فيه الحضارات والمجتمعات المختلفة على نحو متوازن.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق