شهد المركز القومي للبحوث انعقاد فعاليات الصالون الثقافي الخامس في مجال الوراثة البشرية، تحت رعاية الدكتور ممدوح معوض، رئيس المركز القومي للبحوث، وبمشاركة نخبة من العلماء المتخصصين، ولفيف من الإعلاميين والصحفيين من مختلف وسائل الإعلام المقروءة والمرئية والمسموعة.

وفي كلمته الافتتاحية، رحب الدكتور ممدوح معوض بالحضور الكريم، معبرًا عن سعادته البالغة بانعقاد هذه الفعالية العلمية والثقافية الرفيعة داخل أروقة المركز القومي للبحوث، مشيرًا إلى أن المركز يُعد "أكبر مركز طبي وبحثي في مصر وإفريقيا والشرق الأوسط"، ويُعد كذلك "الذراع البحثي للدولة المصرية" والمكلف بتنفيذ استراتيجيات الدولة في مختلف القطاعات التنموية.

وأوضح معوض أن المركز منذ تأسيسه عام 1956، وضع نصب عينيه هدفًا واضحًا يتمثل في دعم البحث العلمي التطبيقي، مع ربط مخرجات الأبحاث العلمية بالصناعة الوطنية والاحتياجات المجتمعية، وهو ما رسّخ من دور المركز كمؤسسة بحثية وطنية رائدة. وأضاف: "مع مرور الوقت، توسعت مهام المركز، فلم تقتصر على الأبحاث فقط، بل شملت أيضًا تقديم خدمات مجتمعية وتنموية مباشرة، عبر تنظيم قوافل طبية، وتوعوية، وبيطرية إلى مختلف أنحاء الجمهورية".

وأكد رئيس المركز القومي للبحوث أن إطلاق الصالون الثقافي الخامس في الوراثة البشرية يأتي متسقًا مع المبادرة الرئاسية للكشف المبكر عن الأمراض الوراثية لدى الأطفال حديثي الولادة (National Newborn Screening Initiative for Genetic Disorders)، والتي تُعد من المبادرات الصحية الكبرى التي تستهدف حماية الأجيال الحالية والمستقبلية من مخاطر الأمراض الوراثية.

وأشار الدكتور معوض إلى أن المركز يضم نخبة من كبار العلماء والباحثين المتخصصين في الوراثة البشرية، والبحوث الطبية، والهندسة الوراثية، والتغذية العلاجية، عبر معاهد نوعية متخصصة، أبرزها: معهد الوراثة البشرية، معهد البحوث الطبية، معهد الهندسة الوراثية، ومعهد التغذية. ولفت إلى أن معهد التغذية، على سبيل المثال، بدأ في تطوير وجبات غذائية خاصة لتحسين الحالات الوراثية ذات الطابع الغذائي العلاجي، مما يعكس التكامل بين التخصصات المختلفة داخل المركز.

وقال: "نحن في المركز القومي للبحوث نؤمن بأن نشر الوعي الثقافي والطبي لا يقل أهمية عن إجراء الأبحاث، ومن هنا جاءت فكرة إطلاق الصالون الثقافي، ليكون منصة للحوار المجتمعي والعلمي، وتواصل حقيقي مع الجمهور ووسائل الإعلام".

وأكد أن الحضور الإعلامي الكثيف في الصالون يعكس إدراك الإعلام المصري لأهمية توصيل رسالة البحث العلمي إلى كل بيت مصري، داعيًا إلى استعادة الدور الريادي الذي لعبته البرامج التليفزيونية والإذاعية في نشر الثقافة العلمية في السابق، ومشيرًا إلى أن هذا الزخم يعزز من الشراكة بين البحث العلمي والإعلام في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.

وفي إطار التوصيات الأولية التي تقدم بها الدكتور ممدوح معوض خلال كلمته، دعا إلى التوسع في برامج الكشف المبكر عن الأمراض الوراثية، مقترحًا إدراج فحوصات وراثية ضمن إجراءات الفحص الطبي الإلزامي للمقبلين على الزواج. وقال: "ندعو إلى أن يشمل الكشف الطبي قبل الزواج تحاليل خاصة بالأمراض الوراثية، خاصة وأن هناك أكثر من 19 مرضًا وراثيًا قد يُصيب الجنين أو الطفل منذ الولادة، ويمكن تجنّبها عبر الفحص المبكر والوقائي".

وأوضح أن هذا المقترح يهدف إلى تعزيز الجهود الوقائية في المجتمع، وحماية الأجيال المقبلة من مخاطر الأمراض الوراثية المزمنة، مؤكدًا أن الوقاية تبدأ من الوعي، وأن التثقيف الصحي له دور محوري في هذا المسار.

وفي ختام كلمته، شدد الدكتور ممدوح معوض على أن الهدف الأساسي من هذه الفعالية هو الخروج بتوصيات علمية ومجتمعية قابلة للتنفيذ، تُرفع إلى الجهات المعنية وصنّاع القرار، لدعم السياسات الصحية والوقائية في مصر. وأعرب عن أمله في أن تُثمر هذه التوصيات عن خطوات عملية تساهم في "تنشئة أجيال معافاة تتمتع بصحة جسدية وعقلية، وتكون قادرة على تحمل مسؤوليات المستقبل".

واختتم رئيس المركز القومي للبحوث كلمته بتقديم الشكر للحضور، مشيدًا بمشاركة الإعلام الوطني في تغطية الفعاليات العلمية، وداعيًا إلى مواصلة هذا التعاون المثمر من أجل مستقبل صحي آمن للمجتمع المصري.

يُذكر أن مبادرة الكشف المبكر عن الأمراض الوراثية للأطفال حديثي الولادة تُعد من المبادرات القومية التي أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي، بهدف الكشف مجموعة من الأمراض الوراثية الخطيرة، مثل Phenylketonuria (PKU)، وCongenital Hypothyroidism (CH)، وCystic Fibrosis (CF)، وغيرها، والتي قد تُسبب مضاعفات جسدية وعقلية خطيرة ما لم يتم تشخيصها مبكرًا.

ويُشارك المركز القومي للبحوث بدور محوري في هذه المبادرة، من خلال كوادره البحثية المتخصصة، ومعامله المجهزة، وخططه البحثية الداعمة لجهود الدولة في الرعاية الصحية الوقائية، حيث يضطلع المركز بإجراء التحاليل الوراثية، وتطوير البرامج التوعوية، وتقديم الإرشادات الغذائية والعلاجية للأسر المستهدفة.