الهلال الإخباري

أيهما أكبر الرياض أم البحرين؟.. للحقيقة أكثر من وجه - الهلال الإخباري

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
أيهما أكبر الرياض أم البحرين؟.. للحقيقة أكثر من وجه - الهلال الإخباري, اليوم الثلاثاء 20 مايو 2025 12:01 مساءً

"الأسود والفهود كائنات لطيفة جداً، بينما الدجاج والبط من أخطر الحيوانات". وصية تركتها دودة لأولادها.

هكذا هي التفاهمات بيننا، والكثير من الموضوعات التي يحتدم النقاش حولها، فبينما ترى أنت ذلك الشخص رائعاً جداً، يراه غيرك سيئاً جداً، وبينما ترى ذلك الحدث عظيماً، يراه غيرك شيئاً عادياً، وتتجادلان وربما يطول الجدال بينكما حول هذا الشخص أو ذلك الحدث، والواقع هو هو.

وهذا الأمر يدعونا لأن نتقبل وجهة النظر الأخرى، ونعطيها قدراً من الاعتبار، لا أن نتشنج في رفضها ورفض قائلها.

ومما أذكره جيداً في هذا المجال أنني عملت في إدارة من الإدارات بعد أن انتقل إلينا مدير رائع، يفهم في مجال عمله، وله خبرة طويلة تمكنه من التعامل مع مختلف المواقف، ولقد رأيت وسمعت من الزملاء من يراه فاشلاً في الإدارة، وأننا ابتلينا به، بينما أراه أنا من أنجح المديرين الذين عملت معهم، خصوصاً في فهمه لطبيعة عمله، وقدرته على إدارة المواقف، وأدبه في الحوار وامتصاصه لغضب الموظف بالرغم من كون الموظف على خطأ، وربما تجاوز الموظف في بعض الألفاظ، ولهذا زاد إعجابي به.

وعند مناقشة هؤلاء الزملاء أجد عندهم عشرات الحجج - التي هي في نظري واهية لحد أنه لا يحتج بها - التي أقنعوا أنفسهم بها ويحاولون إقناعي بها، فلا تملك إلا أن تنهي النقاش معهم بلطف حتى لا تخسرهم ويخسرونك كما خسروا مديرهم.

وأعجبني كثيراً أحد الأساتذة ممن دربنا على الحوار والنقاش؛ حيث كان يتيح لأحدنا الكلام حتى ينهي كلامه، ثم يتيح للآخر الكلام حتى ينهي كلامه، ثم يعود للأول ويقول له "إن كان عندك إضافة شيء جديد قله" ويمنع تكرار الكلام، ويفعل مع الآخر ما فعله مع الأول، فإذا انتهت الإضافات "الجديدة" أنهى الحوار بقوله "شكراً لكما، أدلى كل واحد منكما بكل ما عنده، ولستما مجبرين على الوصول لقناعة واحدة".

لو اتبعنا هذا الأسلوب لتوقف كثير من النقاش في أقل من ربع الوقت الذي تستغرقه دون فائدة، وربما تحول النقاش إلى جدال عقيم، وقد يتطور إلى أن يصل إلى إيغال القلوب وبالتالي التنافر وانقطاع العلاقات، هذا في حال كان النقاش من أجل إظهار الحقيقة التي يدعيها الطرفان، إما إن كان النقاش انتصاراً للنفس فنتائجه حتماً كارثية لأنه من الأساس مبني على باطل، وما بني على باطل فهو باطل.

إن النظر للموضوع من جهتين مختلفتين، أو من زاويتين مختلفتين لا يعني أن إحدى الروايتين صحيحة والأخرى خاطئة، فعندما ينظر عدة أشخاص لمكعب لكل جهة منه لون مختلف، فيقول فهد: أراه أحمر اللون، ويقول محمد: أراه أزرق اللون، ويقول خالد: أراه أخضر اللون لا يعني هذا صحة قول أحدهم وخطأ الآخرين.

من أجمل القواعد التي عشت بها، واستفدت منها أيما فائدة (اكسب صديقك ولا تكسب الموقف) فإذا رأيت من صديقك تعنتاً في حوار ما ينبغي لك تحويل النقاش - ولو من طرفك فقط - إلى الاقتراب من وجهة نظره بقدر ما تستطيع وأن تنهي النقاش بود بينك وبينه، فالإبقاء على العلاقة والحفاظ عليها أولى من الانتصار في موضوع قد لا تكون له ثمرة أصلاً.

ولا أنسى نقاشاً بل جدالاً حضرته يوم كنت صغيراً، وكان محل النزاع (نعم نزاع لأنه تعدى مرحلة الجدال): أيهما أكبر مدينة الرياض أم دولة البحرين؟ ولأنه لا يوجد حينها مصادر قريبة للمعلومات احتدم النقاش وتعالت الأصوات وكنت أقلب وجهي بنهم وتكاد أصواتهم تصل إلى الجيران، والمفارقة أن أياً منهم لم يزر البحرين حينها.

أختم مقالي هذا بهذه القصة اللطيفة، التي ستقرب لكم المعنى الذي أريد الوصول إليه.

التقت الجارتان صباحاً لتبادل الحديث كالمعتاد، فسألت إحداهما الأخرى: كيف كانت ليلتك البارحة؟ فقالت: أقل من عادية، لما عاد زوجي تعشى ثم نام. ثم سألت جارتها بدورها: وكيف كانت ليلتك أنتِ؟ فقالت: لقد كانت ليلة مميزة، فقد خرجنا للعشاء، ثم عدنا للبيت مشياً على الأقدام، فمشينا ساعة كاملة ايدينا بأيدي بعض، وعندما وصلنا البيت أضأنا الشموع وجلسنا نتجاذب أطراف الحديث حتى وقت متأخر من الليل" انتهى المشهد هنا.

وبدأ مشهد آخر في وقت المساء حينما التقى الزوجان، فقال أحدهما للآخر: كيف كانت ليلتك البارحة؟" فقال: كانت جميلة، فعندما عدت للبيت وجدت زوجتي الرائعة قد جهزت لي العشاء فتناولنا العشاء ثم نمنا، وأردف: وأنت، كيف كانت ليلتك؟ فقال: لقد كانت صعبة للغاية، فعندما عدت للبيت وجدت الكهرباء قد انقطعت لأني لم أسدد الفاتورة، وزوجتي لم تعد العشاء، فخرجنا للعشاء في المطعم، وكانت الوجبة غالية الثمن، فاضطررنا للعودة مشيا على الأقدام؛ لأنني لا أستطيع دفع قيمة مشوار سيارة الأجرة، وعندما وصلنا للبيت اضطررنا لإشعال الشموع، وجلست زوجتي تتحدث، فلم تسكت طوال الليل.
تذكروا دائما للحقيقة أكثر من وجه، فتقبلوا الآخرين ووجهات نظرهم.

أخبار متعلقة :