«خاطر» وديوانية القلم الذهبي - الهلال الإخباري

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
«خاطر» وديوانية القلم الذهبي - الهلال الإخباري, اليوم الأحد 1 يونيو 2025 12:28 صباحاً

يقول الشاعر اليمني عبد الرحمن محمد المولود في عدن 1954م: «مكانه فوق كل الناس لأن اللي يجمّعنا.. يلملمنا ويجمعنا.. ويأفل نجمنا مرات ويبقوا هم كواكبنا وأُنس الأُنس راحتنا».

واصلتُ لوقتٍ طويل محاولاتي للاندماج في مجال صناعة الأفلام، والحديث عن هذا الفن الجميل الذي أؤمن بأنه يستحق انطلاقة مختلفة تماما على مستوى الكتابة، إلى أن أدركت بأنني كنت أبتعد شيئا فشيئا عن عالمي الصلصالي المتجدد، الأصيل في عمقه وإنسانيته.

لم يعلم العزيز أبو عمار، المدير التنفيذي لديوانية القلم الذهبي، أستاذنا الذي ألهمنا السخاء في الفكرة والموقف، أنني كنت في ذلك اليوم أحاول شراء بعض الدقائق الدولية فقط لأسأله عن ديوانية القلم الذهبي، مدفوعا بإعجابي العميق بفكرتها وغيرة خفية أعتز بها من فكرة ضاربة بجذورها في التربة الوطنية والثقافية، تستنهض الوعي، وتحتفي بالمثقفين، وتؤمن بأن الثقافة هي السبيل الأرقى لصياغة الذات الجمعية، وصعود المجتمعات نحو أفق أوسع من مجرد الوعي والحضور.

انطلقت ديوانية القلم الذهبي بدعم ومتابعة مباشرة من معالي المستشار تركي آل الشيخ، حاملة في طياتها قوة تجلت في إبراز هويتها المتفردة، وشكلها المتواضع البسيط الذي يسهل الوصول إلى الأفراد ويقربهم من جوهرها الحقيقي. فهي امتداد طبيعي للهوية السعودية، حيث لا يخلو بيت من ديوانية، وهذا ما يفسر التنوع الثقافي والاجتماعي الغني الذي تعكسه فعالياتها. وتُعتبر الديوانية مشروعا وطنيا يعتز بالأدباء والمثقفين، تجمع بين الفعاليات الأسبوعية والتجمعات الودية التي تعكس روح الديوانية الأصيلة، والمنعتقة بأفكارها عن رتابة ثقافية تقبع في دوائر لا تلامس الشغف ولا تنال القبول، لتقدم نموذجا متفردا ينبض بعمق ثقافي وتصميم يعكس المكان بشكله الودي المؤسسي، الذي تم إنشاؤه بتكلفة استثمارية ضخمة في موقع استراتيجي بساحة الفزاري، ويُدار برؤية متوازنة تضع تطلعات رواد المكان في صلب التجربة، لتقدم لهم حضورا يتجاوز التوقعات.

وربما يتبادر إلى ذهن القراء الأعزاء سؤال مشروع تماما، ما هو «خاطر»؟ وما دخله الآن؟ ولماذا أُقحم هذا الاسم في العنوان وفي حديثي عن «ديوانية القلم الذهبي» وكأنه ابن عم ضائع عاد في لحظة عاطفية؟ دعوني أقول إنني أرى نفسي رجلا محظوظا جدا، أعيش حياة مكتظة بالأفكار؛ بعضها تتلاشى قبل أن تجد طريقها، وبعضها تظهر لاحقا في صورة بهيّة، كما لو أنها كانت تبحث عن توقيت أنضج أو سياق أنسب. وقد تعلمت أن أفرح بظهورها، وإن جاءت بتوقيع آخر، بابتسامة يملؤها الامتنان، لا غير. ولعل «خاطر» كان إحدى تلك المحاولات العزيزة، مشروع خجول أراد أن يبني مجلسا ثقافيا مفتوحا لكنه تعثر بين تشعّب الفكرة وتوقيت لم يكن مهيأ له أحد؛ لا الرعاة المحتملون حينها، ولا حتى الدكتور عمر الجاسر، الذي لا أنسى دعمه ولا أبرئ نفسي من بعض الارتجال الذي أرهقه أكثر مما أرهق الفكرة ذاتها، وربما... حتى أنا لم أكن مستعدا فعلا!

اليوم، أرى في ديوانية القلم الذهبي المشروع الوطني الذي يتعامل مع الأدب والمثقفين برقيّ، لا بوصفهم رموزا معزولة، بل كصنّاع حياة، حيث تمثل التجربة - في بساطتها الظاهرة وعمقها الباطن - نموذجا جديدا من الفعل الثقافي، بعيدا عن الرتابة المعتادة التي طالما جعلت بعض الفعاليات الثقافية أقرب إلى الواجب منها إلى الشغف.

أتذكر جيدا كيف كان بعض المثقفين يسألني بنبرة نصف مازحة ونصف قلقة «أتظن أن فلانا سيقبل الجلوس إلى جوار خصمه الفكري في مجلس واحد؟» وكأن الفكر أصبح حلبة مليئة بمخاطر جانبية، لا مقاعد جانبية!

ثم جاءت الديوانية، كما تولد الأفكار العظيمة حين تحظى برعاية من مواطن القرار ورفعت عن كل مقعدٍ ما يحول دونه ودون أن يكون مجلسا وطنيا حقيقيا.

أما أنا، العائد إلى الكتابة بعد انقطاع، فقد تأملت عثرتي كما يتأمل المرء جسرا عبره... فكتبت من أجلها وكأنني كنت مستعدا لذلك. وجدت في هذه التجربة الثقافية مساحة للدهشة والانتماء، ودهشت من حضورها اللافت لدى صنّاع القرار في مجالات متعددة؛ في الإنتاج السينمائي، ودور النشر، بل وحتى لدى بعض الدبلوماسيين الذين رأوا فيها نموذجا قابلا للتصدير الثقافي.

ومن هنا، أقول بكل امتنان: فليأفل نجم «خاطر» مطمئنا، وليشرق نجم «ديوانية القلم الذهبي» مشارق.

أخبار ذات صلة

0 تعليق